قد يركب راكب الدرجة الأولى في القطار أو الترام أو السيارات طلبا للوجاهة وخشية أن يراه الناس بين جمهور الفقراء أو نحو ذلك نحو ذلك من أعذار كلها سخيفة، ولكن عذراً واحدا يصح أن يقام له وزن، وهو وساخة ركاب الدرجة الثالثة والخوف من أذاهم ومن عدواهم.
وقد يتطلب بعض الناس أغلى مطعم وأغلى مقهى حبا في الظهور ورغبة في الجاه، وطلبا لمخالطة العظماء، ولكن العذر الصحيح انه ينشد النظافة في هذا المطعم وهذا المقهى، ويفر من قذارة المطاعم الرخيصة والمقاهي الرخيصة.
فلوعني الناس بالنظافة، وكان من لبس لبس نظيفا، ومن فتح مطعما أو مقهى عنى بنظافته، وكان الفرق بين لبس الغنى والفقير ليس فرقا في الكيف، فالكل نظيف، وإنما هو فرق في النوع والكم، لانهارت الأرستقراطية الاجتماعية في كثير من نواحيها، ولما تقززت أوساط الناس وخيارهم من أن يخالطوا الفقراء في مأكلهم ومشربهم ومركبهم، ولسلحوا الديمقراطية بسلاح قوي متين، ولهذا ترى الأمم التي عنيت بالنظافة والتزمتما في صغيرها وكبيرها، وفي فقرها وغناها قد أفسحت الطريق أمام محبي المساواة ودعاة الديمقراطية. وتراهم وقد قضوا على اختلاف الدرجات في السيارات العامة، وقل منهم من يركب الدرجة الأولى في القطار، وقل من يتطلب أفخم مطعم وأغلى مقهى، علماً منهم بأن الكل نظيف والكل مريح، وأن الذين يركبون بجوارهم أو يجلسون بجانبهم لا يؤذونهم بمنظرهم ولا برائحتهم ولا بأي شيء فيهم، إنما تتميز هذه الطبقات بوضوح وجلاء، في مرافق الحياة الاجتماعية حيث تفشو القذارة.
إن عقلاء الناس يحتملون الديمقراطية الاجتماعية بل يعشقونها، ولكن إذا وصل الأمر إلى احتمال عدوى مرض، أو آلمت أنوفهم رائحة كريهة، أو آلم عيونهم منظر بغيض، سهل عليهم بيع الديمقراطية للأرستقراطية.
لو جرى الأمر على المعقول لكان المسلم من انظف الناس في العالم، فقد ربطت صلواته الخمس بالوضوء، وفرض عليه الاستحمام في أو قات، وكان أول باب من أبواب فقهه باب الطهارة.
واغتبط إذ اسمع وصف (ابن سعيد) لمسلمي الأندلس فيقول: (انهم أشد خلق الله اعتناء