للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وماذا يدَّري الشعراء مني الخ

(يدَّرى) بتشديد الدال من (ادَّرَى) الصيد ختله حتى اصطاده. أي لا يظن الشعراء أنهم قادرون على ختلي وخديعتي بعد أن بلغت سن الكمال والأستحصاف.

هذا شاهد (ادَّرى). أما فعل (تَدَّرى) بتشديد الراء (من التفعُّل) فله شاهد عجب، من أنباء حب العرب، في معادن الذهب. وهو قول شاعرهم:

كيف تراني أذَّرى وادَّرى ... ِغرّات (جُملٍ) وَتَدرَّى غِرِرَى

على أن هذا البيت شاهد لكل من الفعلين: (ادَّرى) (من الأفتعال) و (تَدَّرى) (من التفُّعل).

أما (اذَّرى) بالذال المعجمة فليست من معنى الختل في شيء. وإنما هي من تذرية الَحِب ونحوه في الهواء، فيذهب القشر والتراب، ويبقى الحب واللباب.

وأصل (اذَّرى) (اذترى) من الأفتعال. كما أن اصل (اذَّكر) أي تذكر (إذتكر)، وثلاثيه ناقص وأو: يقال ذَرَا فلان حَبّ بيدره. و (ذَرَّاه) من التفعيل، فاذَّرى في بيت الشعر المذكور هو بهذا المعنى.

والفعلان الأخران (ادَّرى) و (تَدَّرى) بالدالين المهملتين هما بمعنى خَتَل الصيد.

وقائل البيت لم يرد أنه ادَّرى وختل ظبيةً من ظباء الوحش وإنما كان غرضه أن يختل ظبيةً من ظباء الأنس وهي (جُمل) الحسناء. فهو يقول: قد كنت أنا و (جُمل) نعمل في تحصيل الذهب وتنقيته من التراب، وكنت أعمل أنا في تذريته وتعريضه لهبوب الريح فيتطاير التراب والشوائب هنا وهناك، وتقع ذرَّات الذهب وقطعه الصغيرة على الأرض.

أما (جُمل) فلها وظيفة غير وظيفتي: وظيفتها (التحصيل). فأنا (المذرِّى) وهي (المحصِّلة).

قال ابن فارس: أصل معنى التحصيل استخراج الذهب من حجر المعدن.

وقال علماء اللغة: (المحصَّلة) كمحدِّثة المرأة التي تحصّل تراب الذهب أو تراب المعدن. ومعنى تحصيله تخليص الذهب منه. والتحصيل في الذهب كالتصويل في الحنطة ونحوها.

وقال ابن بّري: المحصَّلة هي التي تميز الذهب من الفضة.

وجميع أرباب المعاجم لم يذكروا (اسم فاعل) التحصيل إلا بصيغة المؤنث (المحصَّلة) ولا يكادون يقولون (المحّصل) بالتذكير، إلا على سبيل بيان الاشتقاق القياسي. أما (المحصلة) الأنثى فقد أصبح وصفاً غالباً على امرأة ذات عمل خاص بها هو تحصيل الذهب وتنقيته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>