أعصارها. ألم تكن (الذرة) سراً خفياً، وجزاءا لا يتجزأ، ثم إذا بنا أمام ثورة فكرية هائلة على هذا الجمود، فطالعنا علماء الطبيعة بتحطيم الذرة وانقسامها، حتى لقد سارعوا إلى توكيد ذلك عملياً بما سموه (القنبلة الذرية) التي تشرفت بها (هيروشيما) البائدة فأصبح عاليها سافلها كأن لم تغن بالأمس، ثم انفضت الحرب، ووضعت أوزارها، فإذا بجزيرة (بيكيني) تهتز براً وبحراً وجواً، ومن يدري ماذا سيكون بعد الذي كان، وما لم يكن، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؟
لسنا نشك في أن (الثورة الذرية) ستغير من جميع أوضاع الحياة الإنسانية في مظاهرها تغييراً بدت آثاره بين ظهرانينا الآن، أما الأيام القادمة فليست غير توكيدات عملية صريحة لهذه الآثار.
كانت النظرة الإنسانية إلى الطبيعة شاملة غاية الشمول، عامة كل العموم. ثم صرنا نقول: الشرق الغرب، ولكل (كتلة) هو موليها، وهناك القارات فإذا بالقارة الواحدة تنقسم إلى قسمين، فأصبحت أمريكا أمريكيتين، وانشطرت من ثم كل واحدة إلى مالا عداد له من الولايات. وهكذا الحال في الهند والصين وفي غير الهند والصين.
قد يقال إن النواة البيولوجية هي أصل الانقسام، ولكن عاملا جديداً دخيلا له أكبر الأثر في كل انقسام وهو (الاستعمار) الذي وجد لنظرية (فرق تسد) مركبا سهلا وهو تحطيم الذر فأتخذها ذريعة للوصول إلى غايته.
لقد استأثرت أمريكا - وهي دولة الاستعمار العصري - بأسرار التحطيم الذري، ولم لا يكن لهذا السر أصداء بقيت هي في الواقع (ظواهر) للطاقة الكامنة. فالكهرباء كانت لا ندري عنها غير ما يظهر لنا من نور وحركة وحرارة، فانحطمت هذه الطاقة، وأنكشف سترها وخافيها، ولم تعد طلسما يعيب العقول ويحير الألباب.
وكذلك (الوحدة السياسية) التي توافر عليها كثير من العوالم الجغرافية والتاريخية والجنسية والاجتماعية، تأخذ هذه الوحدة في التقدم والنمو حسب مقدراتها الخاصة والعامة، ولكن كيف تقف أمريكا وغيرها من الدول الدائرة في فلكها إزاء هذه (الوحدة) في عصر الذرة؟ وكيف يصح في الأذهان الذرية أن يظل شعب واحد على ما هو عليه من تماسك وتضافر في عصر انحلت فيه كل قوة، وانشقت العصا، وحل التخاذل والانحلال مكان التساند