جنودهم، وهدم حصون نفوسهم، وحطم مثلهم العليا البالية قبل أن يهدم قلاعهم أو يحطم أصنامهم وأوثانهم طائعاً للوحي الإلهي، وتابعاً للمشورة الحسنة من صحابته حتى الأجانب منهم كسلمان الفارسي الذي وهب لقب الإمارة، كما فعل بعده ملوك أوربا إذ جعلوا بيسمارك (برنساً) أو أميراً، فقال محمد:(سلمان منا آل البيت). وكان في كل هذا إنساناً سامي الأخلاق كيَساً، مهذباً ناضج الرأي، لين العريكة سمحاً، لم يجد فيه خصومه عيباً. وهكذا اشهد له الأغيار بعد انقضاء الأجيال فقال ويلز في تاريخه العام:(كان محمداً أكثر الأنبياء نجاحاً) ولا عجب ولا غرابة فمحمد هو الإنسان الكامل.
- ٧ -
كان محمد عليه الصلاة والسلام نبياً مرسلاً ومصلحاً ومشترعاً، وجاء دينه وهو الأوحد الذي انطوى على شرائع وقوانين سياسية واجتماعية اقتصادية تقوم اعوجاج الفطرية البشرية، وتؤهل الفرد للعيشة في المجتمع الإنساني عيشة راضية راقية، ومكنت لتابعيه تأسيس أعظم دولة عرفها الشرق والغرب. وقد طبقت قواه وظهرت مزاياه الصالحة في الحروب والمعاهدات والمعاملات الدولية أثناء السلم؛ ولو نفذ بنصوصه لأغنى العالم عن نزاع الرأسمالية والعمال، ولانمحت المشاكل من الوجود، لأن أحزاب الشمال في أوربا ولاسيما روسيا لا يعلقون إلا ببعض قواعده التي تقر العدل والرحمة والمساواة وضمان حرية الفرد وسعادته.
وما كان يبغض شيئاً بغضه الشرائع والقوانين الجامدة التي تقيد العقل فتقوده صاغراً أعمى. وليس القرآن إلا كتاب هدى للمؤمنين ورحمة وليس عثرة في سبيل ترقي المجتمع والآداب والشرائع والقوانين والمدارك العقلية. ونحن الآن في القرن الرابع عشر الهجري وقد بدأت فيه نهضة الإسلام حقاً كما بدأت نهضة أوروبا في القرن الرابع عشر المسيحي. ومتى وضع الإسلام في البوتقة وأخرج منه ما علق من الأباطيل الخداعة، عاد إلى أصله وهو توحيد الله تعالى والإيمان بأن محمداً هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.