الأوثان؛ وقد اتبع المسلمون ما أمرهم به نبيهم حتى هذا العهد الأخير. وكان ضلع المسلمين في صدر الإسلام مع النصارى بالتخصيص بدليل آية (غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) وقد نال اليهود ما استحقوا بعد أن خانوا أمانة الله ونكثوا بالعهود وحاربوا نبيه.
حرمت الشريعة الإسلامية الربا كما أن الشريعة المسيحية حرمته تحريماً لا يوصف، وكانت متشددة في ذلك ما استطاعت، فكانت النتيجة أن اليهود انبروا في الميدان وظلوا قروناً عديدة محتازين التجارة يجنون ثمارها، لا يشاركهم في ذلك مشارك ولا يزاحمهم مزاحم. وكانت الشريعة الإسلامية قائمة على تكريم العلم والقرآن حافل بالآيات التي تحث عليه، وكذلك الحديث، فقد جاء فيه:(اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. واطلبوا العلم ولو في الصين. والحكمة ضالة المؤمن. ويوزن مداد الحكماء بدم الشهداء يوم القيامة. والعلماء ورثة الأنبياء. وما خلق الله شيئاً أفضل من العقل).
- ٦ -
من أعمال نبينا عليه الصلاة والسلام تأسيس الرابطة الإسلامية التي جمعت بين قلوب المسلمين في أنحاء العالم جمعاً إنسانياً، فجعل العقيدة الروحية فوق الرابطة الجنسية، وجعل للإنسانية مثلاً أعلى بجانب حب الوطن فقال إنه من الإيمان، وحض على الإخاء وحب البشرية. وما كانت تلك الجامعة الإسلامية سوى الشعور بالوحدة العامة المثقفة مع فكرة التوحيد ووحدة الوجود. نعم كانت الجامعة الإسلامية العروة الوثقى لا انفصام لها، وقد أنشأها النبي منذ شرع يجاهد بالمدينة فالتف حوله المهاجرون والأنصار والمؤمنونمن كل طبقات المجتمع، ففيهم الرقيق أمثال بلال، والسادة الأعيان كعثمان بن عفان، والأبطال كخالد بن الوليد. وقد ولدت تلك الجامعة التي ربطت بين قلوب المسلمين في المدينة المنورة وهي التي أعانت على هزيمة المشركين بعد قتالهم وتأسيس الحضارة الإسلامية التي يفخر بها العالم.
وفي أثناء الهجرة المحمدية اعد محمد وسائل الاستيلاء على مكة، فقبل صلح الحديبية ونفذ بنوده بالدقة، ونغص حياة القرشيين بالحرب والحيلة، وقلب هزيمة أُحد انتصاراً سياسياً باهراً، واستعمل سلاح الدعاية فغزا عقولهم وقلوبهم وأخلاقهم قبل أن يغزو بلدهم، وهزم