وهو طفل في حضانة أمه، كانت تضم إلى جانب الأنصار عناصر قوية وعنيدة من اليهود والمنافقين والمعادين من المترددين وغيرهم، وهي طبقات ثلاث يستطيعون أن يتغلبوا على المهاجرين والأنصار. وكان المنافقون واليهود والمعادون من حلفاء قريش أقوياء وأغنياء، والمهاجرون والأنصار ضعفاء وفقراء، حتى اضطر محمد لوضع نظام المؤاخاة. وقد اضطر بعض المهاجرين للعمل البدني لقاء أجور من الثمر، ولكن محمداً رأى أشد الخطر في اليهود الذين جمعوا بين المال والذكاء والجمال ودين منزل سابق لدين محمد ودين سلفه الناصري، إلى حيلة واسعة، ثم خيبة أمل يعقبها حقد دفين ورغبة شديدة في الانتقام. فقد عرف اليهود في محمد النبي المنتظر، ولكن كبرياءهم أبت أن يطأطئوا رؤوسهم أمامه، لان القرآن أذاع حقيقتهم فامتدح أنبيائهم وانتقد أطماعهم وعرض بأخلاقهم. وقد أعماهم مالهم، وأضلتهم شهواتهم، وأصبحوا لا يقدرون الرجال إلا تبعاً (للرصيد) الذي يملكه أحدهم. ولم يكن محمداً عميلاً لهم إلا في الاقتراض منهم ولو برهن بعض دروعه. ولم تكن له في صناديقهم وخزائنهم ودائع ضخمة ولا هزيلة، لأن كل ما كان يصل إلى يده ينفقه في سبيل الله وفي حشد الجيوش وإعداد الحملات الموفقة؛ فما زال يمالئهم حسب أمر ربه وطاعة لوحيه، حتى حاربوه في السر والعلن، فدسوا له السم، وأعانوا عليه أعداءه، وحرضوا جيشه على الفتنة، وألفوا حزباً من (دعاة التردد والهزيمة) وهم المنافقون ومن لف لهم وتواطئوا على خذلانه؛ قلم ير بداً من ضرورة طردهم من الجزيرة وإقصائهم وقطع دابرهم، فسبق حكام ألمانيا الحديثة بألف وأربعمائة عام في الوصول إلى الحقيقة المطلقة، وهي أن العنصر المعادي في الوطن يعمل على تدميره وتخريبه ويعطل حياته بعرقلة التعاون. فكانت موقعة خيبر موقعة حاسمة في تاريخ الإسلام بل في تاريخ العالم. أما النصارى فقد أوصى بهم خيراً. وكان بيت المقدس في أيدي المسلمين منذ الفتح العربي؛ وكان الخليفة عمر يرعى حرمة الأماكن المقدسة النصرانية أيما رعاية وقد سار خلفاؤه م بعده على آثاره وسننه.
قد ندهش لتسامح الإسلام مع المعتقدات الأخرى في حين أنهم لم يألوا جهداً في النيل منه. وفي الحق أن محمداً جاء بالقرآن مصدقاً للتوراة والإنجيل وقال الله عنه أنه خاتم الأنبياء والمرسلين؛ وقد أمر باحترام النصارى واليهود وسماهم أهل الكتاب تمييزاً لهم عن عبدة