وقال: ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أحب المسلم أخاه المسلم وساد على المملكة الإسلامية المحبة والسلام فتعاونوا على جلب المنافع ودفع المضار.
لقد آتت هذه الوحدة بالمعجزة الاجتماعية العظمى فقد كان العرب قبل الإسلام ينتقصون من أطرافهم، وكان من بجوار الشام عمالاً للروم، ومن بجوار الفرس عمالاً للفرس. فلما جاء الإسلام أعز الله به العرب والمسلمين، فلم تمض عشرون سنة من عمره حتى هدد هؤلاء الأقلون المملكتين المتاخمتين الفرس والروم وانتقصوهما من أطرافهما، ثم عقب ذلك أن ورث ملك الأكاسرة ومعظم ملك القياصرة.
هذه المعجزة الاجتماعية إذا بحث المرء عن سببها وجدها الوحدة الإسلامية، فقد يدل الإسلام تفرقهم اجتماعاً، وبغضهم حباً، وحربهم سلماً، وبعد أن كان بأسهم بينهم شديداً حول هذا البأس إلى الآخرين، لذلك منَّ الله على المسلمين بهذه الألفة (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبَينَّ الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
(لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)
للغرب طمع في الشرق من قديم، وقد غالبه مرات وهو يخفق. قامت الحروب الصليبية، ونزح الغرب على الشرق وهاجمه في عدة من ثغوره وبلدانه ولكنه لم تجده هذه المحاولة وهذه المهاجمة، فعاد إلى الحيلة ورأى أنه يستطيع أن يدرك بالحيلة ما عجزت عنه القوة.
الغرب عالم واسع العلم لا يسير إلا ومصباح العلم أمامه يهديه السبيل، ويبصره مواقع أقدامه، نظر إلى الجسم الإسلامي فرأى أنه ليس يضيره أن يبتر منه عضو من أعضائه. إنما الذي يضير ويقدره عليه هو إضعاف روحه؛ وقد رأى روحه الوحدة الإسلامية فعمد إليها وسماها تعصباً دينياً ممقوتاً، وسمى التعاون الديني تعصباً إسلامياً همجياً، وأسبغ عليه ما شاء من نعوت الذم والوحشية، فدخل ذلك على الشرق - وهنا وصلنا إلى ما نريده من الخطأ الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية - فآمنت بنظرية الغرب، وسمتها تعصباً دينياً،