الصوت نفسه ليالي البغداديين الملاح، فكان عون اللهو ورُقْيةَ الصبوات!
ذلك لأن الغناء في ذاته لا شأن له بما يكون في النفس من أفراح أو أتراح، وإنما هو ذوب ينسرب إلى أذن السامع، وسحر يمشي في حسه، فيهزَّ مناحي الشعور، ويضيء ظلام الجوانح، فينكشف مستورها من الأفراح أو الأتراح. . .
فعمل الغناء على هذا هو التنبيه والإيقاظ، سواء أكانت النوائم آلاماّ أم لذائذ. وهكذا الشأن في لفظي الروعة والطرب فهما يدلان على الهيجة والهزة والتحرك، سواء أكان ذلك للذائذ أم للآلام
أما مفاد القول اللغويين في لفظة الروع فهو: الفزع، وقالوا: سُمي القلب رَوعاً بالضم، لأنه موضع الفزع. فقولك: راعه الأمر، أي بلغ الرّوْع رُوعه، والأمر الرائع هو الذي يصل الفزع منه إلى القلب
وفي رأيي أن العرب سموا القلب روعاً وجرا بينهم استعماله ثم اشتقوا منه الفعل: راع، ليفيد إصابة القلب كما يقال: فأده أصاب فؤاده، ورأسه أصاب رأسه، وعانه أصاب عينه. وهذا الباب من أبواب العربية ينفسح لكل الأعضاء، فقد ألمع العلماء إلى اطراده، تقول: فَعَلَه، أي: أصابه، وفُعِل هو، بالبناء للمجهول، أي أصيب
وقد أخلي أصحاب المعجمات أسفارهم من الإشارة إلى هذا الوجه خلال أقوالهم في اشتقاق فعل: راع، وعلقوا الصلة بينه وبين الروع بمعنى القلب على بلوغ الفزع، وذلك التعليق هو الذي إياه نأبى، وغيره نرى.
على أنهم في تعليلهم لبعض الاستعمالات العربية في هذا اللفظ ذكروا ما يقوم مقام التنزُّل عما سبق أن علّقوه. جاء في شرح القاموس نقلا عن حُذاق اللغة:(ما راعني إلا مجيئك، معناه: ما شعرت إلا بمجيئك، كأنه قال: ما أصاب رُوعي إلا ذلك) وهذا التفسير اللغوي يفيد، على الجلاء، أن راعه الأمر: أصاب روعه، أي قلبه، دون ذكر لخوف أو فزع.
وهذا تعبير عربي وثيق، تقول:(وقع ذلك في روعي، أي نفسي وخلدي وبالي) فالوقوع هنا خالص مجرد، وهو يفيد الوصول إلى القلب، غير محدود بوصف، ولا معّين في وجه.
ومن فُصح العربية كذلك قولك:(فلان يرتاع للخير) ووجه هذه العبارة أن ارتاع هنا مطاوع راع، ففلان يروعه الخير، أي يمس قلبه، ويقع في نفسه، فهو يرتاع للخير، أي