في نظركم هي أن يرتدي المرء برنسه ويعتلي صهوة جواده فينطلق في الصحراء حيث شاء. . . أما نحن فلا نطلب حرية مثل تلك الحرية، فإن كلاً منا يحمل في عنقه أغلالاً وأصفاداً. . . أغلالاً وأصفاداً مصنوعة من ذهب معنوي. . . من ذهب العنعنات والتاريخ والواجبات. . . نحن نحب تلك الأصفاد بكل جوانحنا، ونحمل تلك الأغلال بكل سرور. . . نحن نبجل تلك الأصفاد والأغلال، بل نقدسها كل التقديس. . .).
إن الجيل الذي يقول مثل هذه الأقوال قد قاد فرنسا إلى المجد والنصر، وإن الجيل الذي عدل عن تقديس الأغلال الاجتماعية فأخذ يتمسك بالحرية المطلقة. . . الجيل الذي ترك التساند الاجتماعي جانبا، فأخذ يقدس تلك الفردية. . . هذا الجيل. . . قد أوصل فرنسا إلى هذه النكبات. . .
إنني أعتقد أن هذه النتيجة يجب أن تكون درساً ثميناً لجميع شبان العرب. . .
فأنا أود أن يعرف الكل أن الحرية لم تكن غاية قائمة بنفسها، بل هي واسطة من وسائط الحياة العالية. . . والمصالح الوطنية التي تتطلب من المرء أحياناً تضحية الحرية أيضاً في بعض الظروف. . .
إن كل من لا يضحي بحريته الشخصية في سبيل حرية أمته - عندما تقتضيه الحال - قد يفقد حريته الشخصية مع حرية قومه ووطنه. . .
وكل من لا يرضى أن (يفني) نفسه في الأمة التي ينتسب إليها - في بعض الأحوال - قد يضطر إلى (الفناء) في أمة من ألمم الأجنبية التي قد تستولي على وطنه في يوم من الأيام. . .