الاضطراب العام للاستيلاء على البلاد استيلاء فجائياً. . . فقررت الحكومة الفرنسية أن تتخذ تدبيراً حاسماً في هذا المضمار، والتجأت إلى طريقة التجنيد. جندت عمال السكك الحديدية قبل يوم الإضراب، وأمرتهم بتسيير القطارات بصفتهم جنوداً وضباطا. ومن المعلوم أن العامل حر في العمل أو الإضراب غير أنه يفقد هذه الحرية - بطبيعة الحال - عندما يصبح جندياً. . . وبهذا التدبير استطاعت الحكومة أن تفسد على الاشتراكيين ترتيباتهم في هذا الباب وأن تحول دون تحقيق الإضراب العام الذي كانوا يستعدون له منذ مدة.
هذا التدبير سبب هياجا عظيما على الحكومة، فأخذ المعارضون يقولون هذا إخلال بأحكام الدستور، وإنه تعد على حق الحرية. . غير أن رئيس الحكومة رد على هذه الاعتراضات قائلاً:(إن العمل الذي قمت به لا يخالف الدستور ولا يكون تعدياً على حرية الأفراد ومع هذا أود أن أصرح من على هذا المنبر بأنني لو كنت أعلم بأنه مخالف للدستور ولحق الحرية. . لما أحجمت عن القيام به. . لأني أعتقد أن حياة فرنسا أغلى من الدستور، واثمن من حرية الأفراد. . .)
إن ساسة فرنسا الذين كانوا يحملون مثل هذا الاعتقاد قادوا بلادهم إلى النصر في الحرب العالمية المنصرمة. . وأما رجال فرنسا الجدد الذين فقدوا هذا الاعتقاد وصاروا يعتبرون هذه الأعمال ضرباً من ضروب النازية. . . فقد أوصلوا بلادهم إلى وادي الاندحار. . .
هذا وأذكر أنني حضرت رواية في باريس قبيل الحرب العالمية عنوانها (الغرب) يصور فيها مؤلفها ضابطاً من كبار ضباط البحرية الفرنسية يعيش مع راقصة مغربية تنحدر من عشيرة مراكشية، وللضابط أخر شاب مأخوذ بالآراء والنظريات المعارضة للخدمة العسكرية. يفر هذا الشاب من الجندية، غير أن أخاه الضابط يتمكن - بعد سلسلة وقائع - من إقناعه وإعادته إلى حظيرة الخدمة الوطنية. تقف المرأة المغربية دهشة أمام خضوع الشاب لكمات أخيه هذا الخضوع، فتتساءل: ألم يكن هذا الشاب حراً؟ فكيف يخضع لأوامر الضابط كأنه كلب مطوق بالأغلال أو عبد يمتثل أوامر سيده الذي اشتراه بماله الخاص؟؟
أما الضابط فيبتسم لأقوال خليلته المغربية، وعندما يختلي بها يقول لها ما مؤداه (إن الحرية في نظرنا نحن الغربيين، هي غير الحرية التي تفهمونها وتطلبونها أنتم الشرقيين. الحرية