(الحضارة والثقافة) الطبيعية، حتى إنه يقول بكل صراحة ما يأتي.
(إن أية أمة من الأمم تبلغ من الثقافة ما بلغته فرنسا وتسلك بالثقافة الطريق التي سلكتها فرنسا منتهية من غير شك إلى مثل ما انتهت إليه فرنسا. . .
ويزيد على ذلك قائلاً. (نحن بين طريقين) إما أن نستقبل الثقافة أحراراً (يريد مثل ما تفعل فرنسا) وإما أن نستقبلها مقيدين (يريد مثل ما تفعل ألمانيا) كما يقول أخيراً (أما أنا فاختار الطريق الأولى وأقبل أن أتعرض لما تتعرض له الأمم الحرة من ألوان الخير والشر ومن اختلاف الخطوب) ويعلل اختياره هذا بنزوعه إلى الحرية حيث يقول: (إن الحياة الحرة. . . خليقة بأن نشتريها بأغلى الأثمان). . .
أنا لا أستطيع أن أشارك الكاتب المحترم في آرائه هذه. . . ولا اسلم بأن الأحوال والصفات التي ذكرها (نتيجة طبيعية) للإمعان في الحضارة والثقافة، كما لا اسلم بصحة رأيه في انحصار الأمر بين طريقين لا ثالث لهما؛ غير أن حديثي قد طال
ولكن من الضروري ألا أنهي حديثي دون أن أناقش الكاتب المحترم قليلاً في كلمته الأخيرة.
(إن الحياة الحرة. . . خليقة أن تشتري بأغلى الأثمان. . .)؛ إن سياق الكلام - في المقالات المذكورة - يدل دلالة صريحة على أن التمني هنا هو (كيان الدولة) و (حياة المجتمع). . . فهل يجب علينا أن نسلم بهذا القول؟ هل يجوز لنا أن نقدم (الحياة الحرة) على كيان الدولة (وعلى مصالح المجتمع الحيوية)؟ وهل يمكننا أن نضحي (الحياة الحرة) بتضحية حياة الدولة وكيانها؟. . .
أنا لا أرى لزوماً إطالة الحديث في الإجابة على هذه الأسئلة، ومع هذا أرى من المفيد أن اذكر كلمة قالها قبل الحرب العالمية أحد عظماء السياسة في فرنسا، وكلمة أخرى كتبها أحد كبار الأدباء. . .
في عهد وزارة بريان أستعد الاشتراكيون لحمل الناس على إضراب عام يشمل عمال وموظفي السكك الحديدية، ليشلوا جميع الأعمال والحركات في طول البلاد وعرضها. فلما أطلعت الحكومة على أخبار هذه الاستعدادات اعتقدت بأن ذلك قد يؤدي إلى كارثة كبرى، نظراً لما كانت تعرفه عن استعداد ألمانيا نظراً لاحتمال إقدامها على انتهاز فرصة هذا