كل هذا والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقضي له بفراقها. ولو كانت القضية غير هذه القضية لقضى فيها بالفراق، وأراح الزوجين من هذا الشقاء الذي ينافي شريعة الزواج، ويخالف حكمته المذكورة في قوله تعالى في الآية (١٨٩) من سورة الأعراف: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة منها زوجها ليسكن إليها).
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن له صلة قوية بقضية زينب، وأن الله لم يرد أن يزوج زيداً زينب على غير رغبتها إلا ليطلقها فيتزوجها بعده، ويبطل بذلك بنوته له بالفعل قبل أن يبطلها بالقول، فأمسك عن الحكم فيها بما كان يجب أن يحكم به في نظيرها، ليضرب بذلك مثلاً للقضاة بعده، فيمسكوا عن الحكم في كل قضية يكون لهم صلة بها. وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أعداء من اليهود والمنافقين، فخشي أن يطعنوا عليه بالباطل، وأن يقولوا انه تزوج امرأة ابنه، وأخشى على زيد أن يقوم بنفسه شيء إذا تزوجها بعده.
ولم يكن بعد ذلك إلا أن يتولى الله الحكم فيها، حتى لا يكون لأحد كلام في حكمه، فأنزل في الحكم بطلاقها وزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم قوله في الآية (٣٧) من سورة الأحزاب: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفى في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه، فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا، وكان أمر الله مفعولا) وكانت زينب تفتخر بذلك علة أمهات المؤمنين فتقول: زوجكن آباؤكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.