حين تولى الرئيس ترومان ذكرت بعض الصحف حديثاً لكاتب يصف فيه الرئيس الجديد بهدوء الأعصاب، ورباطة الجأش، وقد بالغ الكاتب في وصفه حتى قال: إنك لو ضربته بقبضة يدك على أرنبة نفه على حين غفلة منه ما تحرك هدب عينيه. .) وقد تكون قوة الأعصاب محمودة في الرجال عند الحوادث التي تصيبهم، أما الرباطة والهدوء في كوارث ينسجون لغيرهم حوادثها، ويعقدون فيها المؤامرات فليس ذلك مما قصد إليه الكاتب، لأن فرقاً واضحاً بين الرباطة والقسوة، وبين الهدوء والجمود، وبين قوة الأعصاب والبلادة، وإذا كانت السياسة تقوم على الخدعة والمناورة، فليست (الثعلبة) من معانيها في أي قاموس إنساني، يصطنعها الأقوياء للسرقة والسطو، فإن كانت السرقة عنوة وفي النهار الضاحي من معانيها، فهي ليست لسياسة إذن، ولكنها صناعة الوحل، وإن سماها الظالمون (حق المهنة).
قالوا أن جماعة من خلصاء ترومان سألوه وألحفوا في السؤال (ما بال الرئيس لم يقدم في الانتخاب الحاضر لرئاسة الجمهورية المتحدة؟) وظل الرئيس ساكتاً لا يجيب، مع إلحافهم وكثر سؤالهم، وظل الجواب مجهولاً، حتى عند الخاصة من خلصاء ترومان، حتى أبصره خدم البيت الأبيض في لحظات خاطفة يهرع إلى تمثال الوطن، يطيل النظر فيه، وتجري في لسانه مناجاة خافية مضطربة، يتهدج في خلالها صوت جريح مخنوق:(يسألونني: لماذا لم أتقدم في الانتخاب الحاضر لرئاسة الدول المتحدة؟ لأني لم أعد أحب أن أكون رئيساً في انتخاب ملوث أشتري فيه أصوات الناخبين بأوطان الناس).