الإشراق بين الوطن وقلوب بنيه، تضيء وتضيء، وتلطف وتلطف، حتى تسبق في ضيائها ولطفها خواطر المتصوفة، وأروع ما فيها أنها قد تكون روابط ذكريات كلها دموع وشجن، ولكنها مع هذا حبيبة إلى النفس، وهي سلوتها في حياة تزدحم بالشرور واللام، ولكن من أين للرئيس ترومان أن يدرك هذه الروحيات؟
قل لي أيها الرئيس: ماذا يستطيع عرب فلسطين الذين أخرجتهم عنوة من وطنهم أن يصنعوا إذا أرادوا دعوة فيصل لزيارة وطنهم كما دعوته أنت لزيارة وطنك؟ ماذا يستطيعون أن يصنعوا وهم أحق منك بهذه الدعوة لأسباب كلها الصدق والوفاء: لأنه عربي مثلهم، ولأنه سيد شعب، وسليل بيت، وأثر نبوة. فهم حين يدعونه إنما يقيمون دعوتهم على دعائم كلها المودة والصدق الخالص الصريح. وأغلب الظن أنك ما دعوته إلا بعد أن أمسكت بقلم الحاسب الذي يعتمد على الأرقام والأعداد من يدري؟ لعلك قد خرجت من هذه (الحسبة) بنتيجة خاطئة، فتوهمت أنها قد تعطيك (جالونا) من بترول العراق!
من سوء حظ العرب أن يموت روزفلت، وقد نهضوا لاسترداد حقوقهم. لقد كان روزفلت رجلاً جهيد الجسم، ضخم الأعطاف، بعيد المناكب، ومثل هذا الجسم الكريم هو صورة لكوم النفس وسخائها وتأثرها، وهو إذا جاع أو برد كان إحساسه بالجوع والبرد أسرع وأبعد من غيره من الأجسام الضنينة، لأن الشعور بالحاجة في الجسم الكريم السخي أكثر منه في الجسم البخيل بأصله، الجائع بطبعه. والرئيس ترومان له جسم ككل الأجسام، ولكنه ضنين بخيل. وهو في بخله وضنه ليس على استعداد لان يحس الجوع والبرد - فضلاً عن أن يحس الحزن لفقد الوطن - لأنه جسم جائع من قبل أن يناله الجوع، بارد من قبل أن يصيبه البرد. ومهما بلغ الجوع والبرد من الشدة فلن يكون لهما أثر ملحوظ في جسم ينقصه الشبع، ونفس ما عرفت الوفاء، وماذا يصيب الفقر من الفقير؟
عقب تولي الرئيس ترومان سأله كثير من الصحفيين:(أما يفكر الرئيس في أن تقبل الولايات المتحدة استقبال بضعة آلاف من يهود أوربا؟ - وكان ذلك قبل أن ينفذ نيته التي بيتها للعرب - وكان جواب الرئيس: (نه لا يفكر الآن في تغيير قوانين البلاد. . .).
إنه لا يفكر في تغيير قوانين بلاده الموضوعة، فهو يحترمها ولا يأذن بالهجرة إليها على ثروتها واتساعها. ولكنه يفكر في إخراج الناس من أوطانهم لقاء أصوات الناخبين من