إن الذي يؤهل الأب لأن يكون قيما في الأسرة، هو بذاته الذي يخول الحاكم والسلطان أن يكون قيما في مجموع الأسر. وأول صفات الأب الفكر والرشد الممتاز والعدالة بين أبنائه والحب لهم جميعاً
والحكم كالأبوة وصاية وخدمة وقيام على الناس بالرعاية والإصلاح والعدل لا سيادة وسلطان أو مكاثرة أو حب تسخير للناس أو طلب للامتياز عليهم أو اتقاء لشرور سلطة أخرى إلى آخر أسباب الحكم التي ذكرها الأستاذ العقاد وبين تفاوتها في القرب من الصواب
وكما أن الأب في الغالب هو أكبر أهل البيت عقلاً وأقدرهم على الكسب والإنتاج والإصلاح. . . كذلك يجب أن يكون (الأب الشعبي) أي الحاكم الراعي
وقد أغفل الناس هذه البديهية في الحكم ووسدوا الأمر إلى غير أهله الطبيعيين، وصار مالكو رقاب الناس وموجهو الأمم غير رجال القمة في الفكر والخلق ومعرفة اتجاهات الحياة، وإنما هم المحترفون للسياسة والجائعون للشهرة والعاشقون للجاه والمناصب والبطش والخيلاء، والجاهلون بعلوم النفس والتربية وأرصاد القدر وسير قافلة الحياة بالأحياء. . . الذين صعدوا إلى المناصب بالمكر والخديعة والدجل السياسي، لا بالطبع الكريم والفكر الناضج والمجهود الصالح والخدمة النافعة. . . الذين نفوسهم نفوس عوام، أو هم جعلوا همهم تمليق العوام والنزول إليهم بدل أن يرفعوهم بالتربية وقسوة الآباء التي لابد منها في بعض الأحيان. . .
ومن رأي أن الأرستقراطية في الفكر ضرورية للاجتماع، وليست مقبوحة كالأرستقراطية في المال. إذ لو اتبع الحكماء أكثر الدهماء ما خطوا بالإنسانية خطواتها في الترقي، وما وصلوا بها إلى شئ من أسباب سموها وهداها
والمحترفون للسياسة وعشاق المناصب يجعلون همهم تمليق العامة ليركبوها إلى المناصب. أما العلماء والمجاهدون في سبيل الفكر فهم الذين يحملون الناس على أكتافهم إلى واحات السلام والصلاح والانتفاع، وقد يضربهم الناس ويهينونهم كما يهينون الدواب التي تحمل متاعهم، ومع ذلك لا يتخلفون عن أداء رسالاتهم في نقل الناس من سيئ إلى حسن ومن حسن إلى أحسن