إن رجال الفكر المخلصين للحقيقة الباحثين عنها الحالمين بصور الكمال هم وحدهم الذين لا تبطرهم المناصب والرياسات ولا يسعون لها إلا لأنها تمكنهم من تحقيق ما يحلمون به من وسائل الإصلاح وإسعاد الناس. وهم الذين يقيمون السياسة على قوانين الفضيلة لا على الختل والخداع وتصيد المال والخيلاء بالجاه
واعتقادي أن شقاء الإنسان السياسي ناتج من أن رجال السياسة الآن صاروا بعيدين عن الأفكار العليا الحرة، وصاروا تابعين لرجال المال الذين يبعدون عنهم كل ذي فكر وأحلام ومثل عليا في الروح
وعالم المال بؤرة للشهوات العنيفة والغرائز الحادة، والمنافسة الذميمة، وحب التملك، وتبرير الواسطة، والخوف من التغيير والتحول
وقد نشأ من اللقاح بين هذين الصنفين: محبي تملك الرقاب ومحبي تملك المال، ذلك الإنسان السياسي الفضيع الذي يخدع القطيع ويلعب به ويحلبه ويسوقه ويذبحه حين الضرورة الشخصية على مذابح الهوان والظلم. ولن تتخلص الأمم من شقائها وفوضى حياتها إلا إذا اختارت رجال حكمها من بين مفكريها الذين لهم روح تحلم بالكمال، ولهم قدرة عملية على التنظيم والإخراج والتنفيذ، ولهم مع هاتين الهبتين شخصية قوية تصون المنصب وتخلع عليه هيبتها وسيادتها الذاتية. فعلى الأمم أن تبحث عن هذا الطراز المفكر الحالم العامل القوى الشخصية بين رجالها وشبابها الناشئين، وأن تربيه في مدارس خاصة بتخريج الحكام يكون لها برامج تكفل إنضاج الفكر الحاكم السائس المربي
وحين يوجد الفيلسوف الحاكم يكون التناسق والتربية النفسية والحقيقة والرضا عن الوطن و (المواطنين)
وقد كان عهد الرئيس الدكتور (مازاريك) في (تشيكوسلوفاكيا) مثالاً صالحاً للحكم تحت وصاية أرباب الفكر الذين لا يخضعون (للروتين) ولا يتحجرون في قوالب الواقع السيئ
فقد فاق (التشك) تحت حكمه جيرانهم جميعاً حتى الألمان، فاقوهم في التنظيم الداخلي والاقتصادي والرياضي والعسكري والاجتماعي. إذ أنهم كانوا تحت وصاية رجل بصير بآفاق الحياة مدرك اتجاهاتها، برئ السيرة والسريرة من آفات محترفي السياسة الطالبين للمناصب ولو لم يكونوا أهلاً للوصاية للعامة، الحاذقين (للمناورات) والمقالب والدسائس مع