للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وغاية التعبير!

لا تقل: إنني أحب؛ وإنني أستمتع بالحب، أو أتعذب وأتألم ثم تحسب نفسك شاعراً، حتى تقول لنا: إنني أحب على لون خاص، وأستمتع بالحب بطريقة خاصة، أو أتعذب وأتألم على لون من ألوان العذاب والآلام. ولا تقل: (أنا أطلب الجمال) وتسكت فلا بد أن تبين لنا ما نوع الجمال أو أنواعه التي تستهويك، وما المعاني التي يشعها فيك هذا الجمال، وماذا تفهم من الصلات بينه وبين غايات الحياة الكبرى، وماذا بينه من الوشائج وبين الطبيعة في كيانها ومراميها

والعقاد وحده في الشعر العربي كله هو الذي يقول لنا هذا في عمق ودقة وقصد، ويصوره بأوضح وأصح ما يستطاع. وأقول (في الشعر العربي كله) وأنا أعني ما أقول، فما يوجد شاعر واحد يجتمع له في شعره العربي ما اجتمع للعقاد، وتتوفر في نفسه هذه الأوتار المتعددة، التي يوقع عليها الحب هذه النغمات كلها، ويخرجها هكذا واضحة سليمة

نعم، يوجد بعض هذه الأوتار، متفرقاً في نفوس الشعراء ولكنها لا تجتمع هذا الاجتماع، ولا تلتئم هذا الالتئام في نفس واحدة، وما يوجد منها متفرقاً لا يبلغ في تفرده وخصوصه وطرافته هذا المبلغ عند أولئك الشعراء

فإذا خطر لأحد أولئك الذين يفغرون أفواههم لسماع هذا الكلام، ويستنكرون تقرير الحقائق وليس لهم من البرهان على إنكارهم إلا إشارات الصم والبكم، فليأتوا بنظائر لكل هذه الأوتار والنغمات لشاعر عربي واحد حتى الآن، أو لعشرة مجتمعين في جميع العصور

وقبل أن نعرف (ما الحب) عند العقاد، لا بد أن نعرف (ما الجمال) الذي يثير هذا الحب، ويدفعه إلى الغزل والتعبير

عرف القراء مما نقلناه عن رأي (شوبنهور) في الجمال، وتعليق (العقاد) عليه، أنه يرى الجمال في (الحرية) وفي العدد الفائت من الرسالة توضيح لهذا الرأي حين يقول:

(رأيي في الجسم الجميل إنه الجسم الذي لا فضول فيه، وأنه الجسم الذي تراه فيخيل إليك أن كل عضو فيه يحمل نفسه غير محمول على سواه

(من هنا جمال الرأس الطامح والجيد المشرئب، والصدر البارز، والخصر المرهف الممشوق، والردف المائل، والساق التي يبدو لك من خفتها وانطلاقها واستوائها، أنها لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>