بأشعارهم، وإن أخذت أشعة المدرسة الحديثة تبدو في الأفق.
وطابع المدرستين جد مختلف، فبينما نجد سمة التقليد، والتمسك بالتقاليد، والسير على النهج القديم، غالبة على المدرسة القديمة، نجد شيئا كثيراً من التحرر والطموح والاستقلال في المدرسة الحديثة. وقد تأخر - ولا شك - ظهور هذه المدرسة ولم يستقر لأصحابها منهاجهم بعد، ولكني أعتقد أن الخطة الجديدة في نشر التعليم، وإرسال البعوث إلى مصر وإلى غيرها ستؤتي أطيب الثمار في هذه النواحي، نعم لا يزال الشعراء المحدثون في أول الطريق، ولكن بواكيرهم تبشر بأنهم يسيرون بخطى حثيثة نحو الكمال والنضوج.
وسأقصر حديثي في هذا المقال على مقومات المدرسة القديمة ومنهاجها، وطابعها، وشعرائها.
التقليد - في الواقع - هو السمة الأصلية في أساتذة هذه المدرسة. التقليد لشعر القديم وطرائقه، تقليد في الأغراض، وتقليد في المعاني، وتقليد الأساليب، كما أن من السمات الغالبة على هؤلاء الأساتذة سمة الوقار والرزانة والتحفظ. ولا غرو فأكثرهم من (المشايخ) بل إن منهم من وصل إلى أعلى المناصب التي يصل إليها الشيوخ في السودان. نعم من شعراء هذه المدرسة من تخرج في كلية غردؤن، ومن تعلم تعليما مدنيا، ولكن هؤلاء - أيضا - لا يقفون بعيدا عن طائفة المشايخ، لأن روح الدينية أبرز مظاهر الحياة في السودان، وهي قوية مسيطرة، والشعر - ونحن نتحدث عنه من الناحية الفنية - في حاجة شديدة إلى الانطلاق والتحرر والاندفاع.
الشعراء ينظمون كثيراً في المدائح النبوية، وفي المدح، والهجاء، والرثاء، وقل منهم من يخرج على هذه الأغراض. أما معانيهم فهي هي التي نشأت مع الشعر العربي؛ فالشجاع أسد هصور، والجميل بدر منير، والممدوح أندى من الغمام كفا، وأجود من البحر يدا، والفقيد تعزى فيه المروءة والندى، والعاشق لا يزال يقف على الأطلال، ويستوقف الصحب، ويبكي الديار، وأما الأساليب فقلما تميل إلى شئ من الخروج عن منهج الشعر القديم، فلا تجد شاعراً نظم في غير البحور المعروفة بل إنك لتجد أكثر ما ينظم من الشعر على أوزان البحور المشهورة من الطويلوالكمال والبسيط، هذه الأبحر التي تمثل الوقار والشيخوخة والهدوء، ولا أثر في هذه الأشعار لظل الحياة الجديدة الناعمة المتألقة، فهي