للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أكثر تأثرا بما يقرأ أصحابها من الشعر القديم، وهم يجلونه فلذلك يحتذونه.

وأبرز ما يصور لنا النهج هو ابتداء القصائد بالغزل، الغزل المصنوع طبعاً، فالمدائح، والتهاني، والتوديعات، وأشعار المناسبات، لا بد من بدئها بالغزل، ولا بد - مع ذلك - من إظهار المهارة في حسن التخلص، وجودة الانتقال. على أن بعض الشعراء يترك هذه السنة ليحبى سنة أخرى، فيبدأ قصيدته بذكر الخمر وسقاتها وندمائها، أو يذكر النوق وحثها على المسير كأن يقول الشيخ محمد عمر البنا، وهو يمتدح عثمان دقنه وأعوانه

ما ضرني أن لو حثثت العيس في ... أثر الحمول، وإن علا التأنيب

وزجرت للبكرات دامية الخطا ... قد مسها نحو الحبيب لغوب

أوجعتها سيراً فصارت ضمراً ... كهلاك شك، ينجلي ويغيب

ثم تسأله هذه العيس إلى أين المسير؟ ومن تريد - وأنت تذرف الدمع -؟ فيجيبها بأنه يمم الزهادة والتقى، فعساه يلقى نفحة من سر من زهد الدنيا وطلقها:

(عثمان دقنة) من رقي أوج العلا ... بفخارة، والطاهر المجذوب

ومن الابتداء بذكر الخمر قول الشيخ عبد الله عبد الرحمن يهنئ أحد أصدقائه بزواج:

هات اسقني حلب العصير ... حمراء كالخد النضير

وادع الخلاعة والصبا ... واهتف بحي على السرور

وأقم (لأحمد) من بيوت الشعر أمثال القصور

وهذا ابتداء واضح الدلالة على الصنعة والتقليد، فالشيخ عبد الله هذا العالم الوقور الذي نشأ في بيت العلم والتقى، ال يطلب الخمر، ولا يدعو الخلاعة، ولا يستطيع أن يشبه الخمر بالخد إلا وهو مأخوذ بما في فكره من شعر القدامى، ثم ما هذه المفارقة العجيبة؟ دعوة للخلاعة، وحي على السرور، ولكن الشيخ - وهو من شعراء السودان المعدودين - لا يجد أنسب لذكر الخمر - التي لم يذقها طبعا - من تهنئة بزواج، على أ، هـ يبتدئ مدحه نبوية يذكر الخمر فيقول:

أديري علىَّ الكأس يا ربة الشعر ... وجودي بمعسول الرضاب من الثغر

لعلي بهذي الكأس يا عز انتشى ... فاسموا بإدراكي إلى العالم الشعري

وأنا - في الحقيقة - حائر في هذه الكأس، أي شئ فيها؟ أهو خمر؟ أم شعر؟ أم رضاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>