للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قوية، وصباها في قالب أخاذ، كما يمتدحها الناقد الإنجليزي العظيم الشاب السير فيليب سدني في كتابه (الاعتذار عن الشعر)، وإن يكن رجال لمسرح الحديث لا يجعلون لها تلك القيمة التي أسبغها عليها هو. والمأساة موضوعة على نمط المآسي الإغريقية تقريباً، وهو هذا النمط الفذ الذي لا تبدو فيه أشخاص المأساة، وإنما تأتي بأخبارهم رسل يروون الوقائع واحدة بعد أخرى، فهي أشبه بتمثيلية قصصية يسردها علينا رسلها الأربعة - بعد شخصيات المأساة، كما كان الشاعر في المأساة اليونانية - ولا سيما قبل سوفوكلي - هو الذي يؤدي أدوار شخصياته كلها بمعاونة الخورس في الإنشاد فقط، أو في حكاية بعض الحوادث التي تمهد لما بعدها من وقائع الرواية

وهكذا كانت المآسي التاريخية التي حفلت بها تلك (المرآة) مصدراً هاماً للشعراء الذين ألفوا للمسرح في نصف القرن السادس عشر الأخير على العموم، وفي ربعه الأخير خاصة

وقد كان المسرح الفرنسي نبراساً يضيء على البعد للمسرح الإنجليزي في هذا المضمار، لكن المسرح الإنجليزي مع ذاك احتفظ بالطابع الذي يميزه ويبقى له استقلاله، ذلك أنه آثر كمال الوحدة للمأساة، واتساق الحوادث التاريخية وترابطها، دون أن يأبه بما كان هم المسرح الفرنسي أن يأبه له، ألا وهو ذلك النقد اللاذع، والسخرية الحادة، والمظهر العام الذي ينبغي أن يكون براقا خلابا. هذا، وقد ظهرت درامات تاريخية أخرى كانت مادة خصبة فيما بعد، أمدت شكسبير بموضوعات شائقة لكثير من مآسيه؛ فمن ذلك درامة (عهد الملك جون المضطرب) التي اقتبس منها شكسبير مأساته (الملك جون)، كما اقتبس مأساته (الملك لير) عن درامة مماثلة اسمها (التاريخ الحقيقي للملك لير وبناته الثلاث: جونرل وراجان وكورديلا). وقد وجد الشعراء الإنجليز غير شكسبير مدداً لا ينتهي في تاريخ ملوكهم، فاتخذوا منه موضوعات لمآسيهم الجميلة المشجية. فهذا بيل يؤلف في حياة إدورد الأول؛ وذلك مارلو ينفح المسرح بمآسيه عن إدورد الثاني وإدورد الثالث؛ وذاك شكسبير يسلم للخلود مآسيه عن رتشارد الثاني ولير وهنري الرابع وهنري الخامس وهنري السادس. . . الخ. ولم يقتصر الشعراء على مآسي الملوك، بل اتخذوا من الأحداث التاريخية نفسها التي وقعت في عصور هؤلاء الملوك موضوعات لطائفة طيبة من أروع مآسيهم كما صنع توماس هيوود في مأساته (إن لم تعرفني فأنت لم تعرف أحداً) التي اتخذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>