للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موضوعها من حوادث عصري ماري تيودور وإليزابث. على أن نوعاً جديداً من المأساة الإنجليزية الأهلية ابتدع الشاعر توماس كيد في أواخر القرن السادس عشر وأطلق عليه المسرحيون (مأساة الدم) لكثرة ما يتخلل فصولها من الذعر والقتل والفتك والبكاء والجنون والانتحار، وما إلى ذلك من ألوان الفزع. وتوماس كيد متأثر في هذا اللون الذي ابتدعه في المأساة الإنجليزية بشاعر الرومان وفيلسوفهم الأشهر سنكا. وليس يعرف المؤرخون كثيراً من حياة كيد. وهم مختلفون في تاريخ ميلاده وفي تاريخ وفاته، وإن اتفقوا أنه قضى حياته كلها في النصف الثاني من القرن السادس عشر. ويقولون إنه شدا شيئاً من العلم في مدرسة (مرشانت تايلور) وإنه كان ثمة زميلا للشاعر الكبير سبنسر. على أن الذي لا مراء فيه هو أنه مؤلف المأساة المشهورة (المأساة الأسبانية)، أو (هيرونيمو مجنون ثانية) التي يقال إنها جزء ثان لجزء أول من مأساة مفقودة اسمها (هيرونيمو - أو جيرونيمو) والمأساة تبدأ بحوار بين شبح دون أندريا وبين وكيله إلى العالم الآخر، واسمه الانتقام وتنتهي بمذبحة عامة بين جميع أبطالها، مذبحة أشنع مما تنتهي به مأساة (هملت) لشكسبير. . . ولكن مأساة دموية أخرى تسمى سليمان وبرسيدا لا تقل شناعة وتمزيقاً للأعصاب وتفجيراً للألم عن المأساة السابقة، بل تفوقها إلى الحد الذي لا تحتمله مشاعر القراء ولا تقوى عليه عواطفهم، ولهذا فنحن نضرب صفحاً حتى عن تلخيصها. وقد كتب أديب آخر يدعى هنري شتل مأساة دموية من طراز مآسي كيد اسمها هوفمان فساهم بها مع كيد في التمهيد لظهور المأساة الرومانتيكية (الإبداعية) في إنجلترا، وهي المأساة التي عفت على آثار الدرامات الدينية بنوعيها (الإنجليزية والقديسية) كما عفت على آثار الدرامة الأخلاقية أما الذي أنشأ هذه المأساة الإبداعية إنشاء، وسما بها إلى الذروة من الأدب المسرحي الإنجليزي فهو - خرستوفر مارلو الملقب بأبي المأساة الإنجليزية وصاحب الفضل الأكبر في (تكييف الذوق الإنجليزي العام) وتوجيهه على الوجهة الرومانتيكية الرفيعة التي أزهرت أيما إزهار فيما بعد. ويعود فضله إلى تلك العملية الاختزالية الواسعة التي قام بها في الدرامة المسرحية بوجه عام، فلقد وجد تراثاً مختلطاً من المسرحيات الكلاسيكية المشوهة التي ترتكز على الناحية الاستعراضية وتحفل بها قبل أن ترتكز على الموضوع المتماسك المتسق، والتي تعتمد على زيف المناظر وبهارجها وما يقحم خلالها من مواقف التهريج

<<  <  ج:
ص:  >  >>