للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المضحك إقحاماً، قبل أن تعتمد على جمال الأداء وتسلسله. فلما أخذ مارلو ينظم أولى دراماته رأى أن يهمل كل هذا الزبد ليذهب جفاء، وأن يقدم للمسرح سبيكة خالصة من كل تلك الشوائب التي وقع فيها أسلافه وأكثر معاصريه، فعمد إلى الشعر المرسل الذي لا يرتبط بقافية فعظم به مآسيه، وأتى فيه بالغرر والدرر، فلم يصدم الذوق العام بكلام لا هو شعر ولا هو نثر، ولم ينفر منه ذلك الذوق العام، بل أقبل عليه وانجذب إليه، وقدره قدره الذي هو له أهل؛ ولم تنفر منه اللغة ولا موسيقى النظم ولا أوزان الشعر، ولم يفر منه الجمهور ولا ثار به الممثلون، بل كانوا جميعاً أصدقاءه المؤتلفين معه، المعجبين به

لقد ترك مارلو للأدب الإنجليزي سبع تمثيليات شهد منها المسرح خمساً بين عامي ١٥٨٦، ١٥٩٣، أي في أقل من سبع سنوات. أما أولى دراماته فهي تامبورلين الأكبر (تيمورلنك) وقد صور فيها الفاتح الشرقي صورة شاعرية شائقة إذ جعله بطلاً مثالياً ينشد الجمال المحض، وهو ينشد هذا الجمال خلال مناظر الدم والرعب والتقتيل والفزع، وهو مع ذاك يذوب أسى ويلتهب وجداً حينما يصف مرض زوجته الملكة وشحوبها، ثم احتضارها، وهو يبلغ آية الآيات في السمو حينما ينعى هذه الزوجة (التي تعدل الدنيا بأسرها) إلى صديقه ملك فاس

لقد نظم مارلو درامته بالشعر المرسل، أي غير المقفى، فكانت أول تمثيلية ملكت زمام هذا الشعر للمسرح الإنجليزي. . . والمدهش أن مارلو فاجأ قومه بلون طريف من ألوان الشعر هو عندهم مدهش اليوم أرقى هذه الألوان وأفتنها وأحبها إلى نفوس الإنجليز. . . وقد أطلق النقاد على شعر مارلو - في عصره بالطبع - لقب البيت العظيم أو ما نسميه نحن تجوزا القريض الفريد. ومع أن مارلو لم يكن يتجاوز الرابعة والعشرين إذ ذاك، فقد نجحت درامته نجاحاً عظماً، بموضوعها وبشعرها المفاجئ المجود، وباستغنائه عن تلك الزوائد المسرحية التي لا تربطها بصلب الرواية صلة

وقد تجلت عبقرية مارلو بكل جبروتها في مأساته الخالدة (الدكتور فاوست)، أو كما سماها هو (تاريخ الدكتور فاوست المحزن) ولا شك في أنه ابتدع هذه المأساة بعد قراءته لترجمة مأساة حياة الدكتور جون فاوست عن الألمانية كما ابتدع مأساة تيمورلنك من ترجمة حياته عن الأسبانية بقلم الكاتب الأسباني بدرو مكسيا. وقد قرأ نابغة الألمان العظيم جوته مأساة

<<  <  ج:
ص:  >  >>