للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مارلو وأعجب بها غاية الإعجاب، وربما كانت هي التي أوحت إليه موضوع آيته العظيمة (فاوست)، بل إننا لنرجح أنه لم يكتبها إلا ليعارض بها مارلو، ففي الأسطورة الألمانية ترى مجرد اللذة، أو دافع السرور هو الذي يجعل فاوست بعد الشيطان بأن يلقي إليه زمامه إذا هو - أي الشيطان - استطاع أن يبعد الأحزان عن قلب فاوست، وأن يبلغه مشتهاه من لذائذ الحياة جميعاً. أما مارلو فقد جعل عقدة الرهان بين فاوست وبين الشيطان في أن يمنحه الشيطان السلطان المطلق والقدرة على كل شيء. . . فإذا أمكنه من هذا فله روحه وله نفسه، وله منه ما يشاء. أما جوته فقد أراد أن يجعل العقدة في هذا الرهان شيئاً آخر غير الذي رما إليه مارلو، وغير الذي رمت إليه الأسطورة الألمانية. لقد جعل عقدة هذا الرهان في أن يمنح الشيطان غريمه العلم المطلق بكل شيء، وفي سبيل هذا العلم أوقعه الشيطان في جميع الكبائر، فشرب الخمر وزنى وسرق ثم قتل. . . ومع ذاك فلم يؤته الشيطان من العلم شيئاً. . . يؤثر أن جوته صاح قائلاً عند فراغه من قراءة فاوست لمارلو: (ألا ما أعظم الفكرة!) وقد شهد سونبرن بما لتلك المأساة من التفرد بين جميع المآسي في جميع العصور؛ مع أن قارئ مارلو في فاوست يشعر في الصفحات الأولى للمأساة بخيبة شديدة، لأنه يجد تفاهة وسطحية تشبهان تفاهة الأطفال وسطحيتهم، ولا يكاد يفهم معنى لكل تلك الكهانات وألوان العرافة السخيفة التي يحشدها مارلو على نطاق واسع في مأساته. . . وسرعان ما يفطن القارئ إلى السبب فيكبر مارلو ويعلم أنه إنما قصد إلى حشد ذلك السخف كله ولم يأت به عبثاً. . . لقد أراد به تصوير سخفنا نحن. . . سخف الإنسانية. . . وإلا فلماذا يرتفع مارلو ارتفاعاً شاهقاً في آخر المأساة، وذلك عندما يصور هلاك فاوست، عندما تقبل عليه الشياطين من كل حدب فتحدق به وتطلب إليه وفاء الرهان

وقد خلت فاوست من العنصر النسائي

ومأساته الثالثة هي (يهودي مالطة) التي عرضها شكسبير بتاجر البندقية ولولا أن مارلو بالغ في تصوير بطله باراباس حتى جعله شخصاً خرافياً لبذ شكسبير في بطله شيلوك الذي لا يجافي الحقيقة في نفسيات المرابين. ومع ذلك فقد فضل سونبرن شخصية باراباس على شيلوك بالرغم من وجود هذا الفارق

أما مأساته الرابعة (إدورد الثاني) فتعتبر أكمل أعماله المسرحية، وإن افتقرت إلى العنصر

<<  <  ج:
ص:  >  >>