وقد قص عليّ أستاذ صديق أنه خلال وجوده في باريس طلب إلى إحدى مكتبات المطالعة أن يطلع على هذا الكتاب فتأفف صاحب المكتبة، فقال له الأستاذ: أراك مشمئزاً، لعل الموضوع لا يرضيك! فأجابه: ليست المسألة مسألة موضوع، وإنما مسألة انتشاله من تحت أنقاض الكتب المتراكمة فوقه. فمد يده إلى خزانة ربما يطلق صاحبها عليها خزانة الكتب المهجورة والمغفلة، ولبث يقلب حتى علقت يد صاحبنا بالكتاب في قاع الخزانة!
وهذا يدل على أن الفكرة التي شوهته لا تزال ترافقه وأن الغربي قد ألقى في خلده أن كل ما يكتب عن الشرق والعرب بلهجة الإعجاب هو شيء كاذب مدسوس، وإنما الحق كل الحق فيما يتناولهما بالذم والسخرية والتحقير. وكأني بأفراد قلائل قد استطاعوا أن يطلقوا عقولهم من هذه الأوهام وينظفوا دم تفكيرهم من هذه السموم، ولكن عدد هؤلاء محدود، وما أقلهم لو استطاعوا أن يطهروا أنفسهم!
وأسباب ذلك كما قدمت تعود إلى أضاليل الغاية الاستعمارية التي استلهمت أيضاً العصبية الدينية، وتكاتفتا معاً على إخفاء محاسن العرب، وعلى اظهارهم شيئاً هو دون الشعوب. ويقيني لو أن موازناً منهم قارن بين شعب من الزنوج والعرب لشالت كفة العرب ولرجحت كفة الشعب الزنجي لأن هذا الشعب تم لهم استعماره وتحضيره وذلك لم يتم ولما يتم لهم منه شيء
أما أجري الذي أنشده من هذا التعريب فهو أمنيتي التي أرجو أني وصلت إليها في وضع لبنة واحدة في صرح المملكة العربية الحديثة وفي استجلاب كثيرين ممن ضلوا مجد أمتهم الغابر ليحثهم على بناء المجد الحاضر، وما هنا إلا صفحة من صفحات هذا الفاتح الذي ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم منه. . . فاقرءوا أيها العرب وأنفذوا منها إلى بقايا صفحات تاريخكم المجيد