أثرياء الصناعة إلى جوار أثرياء العقار. وإذا كتب للاجتماعيين الغلبة فلن يتركوا مشكلة توزيع الثروة تغيب عن الأذهان تحب ضباب مريب من الحرص على تنمية الثروة القومية وتعزيز استقلال اقتصادي موهوم، لو حدث ذلك لتحررت عندئذ أرواح ملايين من البشر، وأرتفع مستواهم النفسي، فكان لهم صوت في تكوين الرأي العام.
والعامل الثقافي يطالعك في دور العلم وفي فنون الصحافة. والذي لاشك فيه لا مدارسنا العامة ولا صحافتنا بقادرة في وضعها الحاضر على أن تكون رأياً عاماً. والمدرسة العامة روحها الدرس، وباستطاعتك أن تقلب البصر فيمن تلقى من مدرسين، فما أظنك واجداً الكثيرين بينهم ممن لهم فلسفة خاصة، في الحياة. ولسنا نقصد بالفلسفة الخاصة آراء بعينها في الاقتصاد أو الاجتماع أو الأدب، بل نرمي إلى حالة من النضوج الفكري والعاطفي تمكن صاحبها من أن يتخذ له موقفاً محدداً من الناس والأشياء، فيعتقد مثلاً أن المادة هي عصب الحياة أو أن الروح هي محركها الخفي، ويكون من المؤمنين باطراد التقدم في الإنسانية أو القائلين بتراوحها بين المد والجزر. وقد يعالج مشاكل الحياة بالجد الحار أو بالسخرية الباسمة، وقد يتناولها بالثقة المتفائلة أو الحذر المتشائم، ونحو ذلك من أنواع الفلسفات الشخصية التي لابد أن تتصف بإحداها كل نفس ناضجة. وهذه الفلسفة الشخصية هي التي تمكن المدرس من التأثير في تلاميذه تأثيراً باقياً، وذلك لأنه يستطيع عندئذ أن يعطيهم ضوءاً هادياً في الحياة، وبفضل هذا الضوء يستطيعون بدورهم أن يحكموا على مختلف الأمور. ومن البين أن الرأي العام يتكون من تفاعل مجموعة الأحكام الفردية. وإذن فما دام معلمنا لا فلسفة له، ومادام كبار مفكرينا وأساتذتنا لا يعرفون كيف يزودون هذا العالم بتلك الفلسفة، فما أظننا مستطيعين أن نجعل من مدارسنا بؤرات لتكوين الرأي العام. وأهول ما أخشاه ألا نجد من بين أساتذتنا وكبار مفكرينا أنفسهم نفراً كافياً يصدرون عما نتحدث عنه من فلسفة شخصية، وما على القارئ إلا أن يستعرض الأسماء المعروفة ليحاول أن يحدد فلسفة كل منهم. ولقد يجد لأغلبهم مجموعة من الكتب أو طائفة من الأبحاث، ولقد يكون في تلك الكتب وتلك الأبحاث جمال ومتعة، ولكنه سيجد مشق في أن يستخلص منها روحاً عامة وفلسفة جامعة. وعندما يخرج التلاميذ من المدارس، وليس لكل منهم اتجاه روحي معلوم، لن تجد غرابة في أن يعجزوا عن حمل الصحافة على تقديم غذاء