والصحافة كما هو معلوم صحافة إخبارية أو صحافة رأي. والأولى وإن لم تخل من أثر على الرأي العام بحكم تخيرها لنوع الأخبار التي تنشرها وتلوينها لتلك الأخبار، إلا أنه في نهاية الأمر أثر محدود. وعلى العكس من ذلك صحافة الرأي التي تتكون في بلادنا من بعض الصحف اليومية ثم معظم المجلات الأسبوعية. وما دامت الصحف ملكاً لأفراد أو شركات وكان هدفها الأول هو الربح المادي، فما أظن أننا نستطيع أن نرجو من ورائها خيراً كثيراً في تكوين رأي عام سليم وذلك لأن حرصها على الانتشار يدفعها إلى اللعب على غرائز القراء، فلا تجد فيها إلا فتنا سياسية تدور حول كبار الشخصيات، ولا ترضي في القارئ غير حب استطلاع خبيث، أو تهرجاً ديمالوجياً يولول لآلام الشعب ويلوح له بآمال خادعة دون أن يدرس مشاكله دراسة جدية، ويقترح لعلاجها الوسائل المجدية. وأخيراً ترى إثارة الغرائز الجنسية اعتماداً على ما تنزله حياتنا الاجتماعية بنفوس الشبان من كبت، وإنه وإن يكن من الثابت أن أكثر الصحف انتشاراً في مصر، ليس أكثرها تأثيراً في الرأي العام بحكم أنه كلما ازداد جمهور الصحفية كان جمهور تسلية وتزجية فراغ، إلا أنه مما لاشك فيه أن أمثال هذه الصحف تقوم بعملية هدم كبيرة، فهي تقوض الجدية في النفوس، كما تحتل الأخلاق وتعود العقول الكسل. وأنت إذا وجدتها إلى جوار أمثال الصحف، صحفاً أخرى قليلة الانتشار ولكنها جدية مؤثرة باعتبارها أن قراءها ممن يلتمسون غذاء لأرواحهم، إلا أنك - لسوء الحظ - قلما تجد لا حداها قيادة عامة واتجاهاً روحياً واضحاً، وإنما هي طائفة من الأقلام والمعلومات لا يجمع بينها غير غلاف الصحيفة؛ ولهذا قلما تكون صحيفة منها مدرسة خاصة في الحياة. وإذا كنا لم نصل بعد حتى في مجال السياسة إلى خلق صحافة تعبر عن مذاهب الحكم المختلفة وتناضل دونها، مع أن السياسة أمر يهم الملايين من البشر فإنه لا ريب يكون من تعجل الأمور تعجلاً مسرفاً أن نتطلع إلى صحافة ثقافية موحدة الاتجاه، مع أن الثقافة بطبيعتها ميدان الخواص. ولكنني مع ذلك لا أفهم لماذا لا تكون لدينا مجلات تتحمس لتيارات التفكير المختلفة، وتحاول أن تجمع حولها النفوس. ولكم من مرة يسألك أحد الغربيين عن الاتجاه الذي تتميز به هذه المجلة عن تلك؟ فلا تستطيع جواباً. ونحن لا نقصد بذلك المجلات الخاصة، بل