بيد إننا الآن في ساعة غير التي كانت بالأمس، فالقضية المصرية السودانية سترفع عن قليل إلى مجلس الأمن، أي مجموعة من الدول لبريطانيا عليها فضل، أو لها عليها تأثير. والزمن الذي ستعرض فيه لن يطول كما كانت تطول سياسة بريطانيا وأذن فقد أصبح واجبنا نحن أن نتآزر ونتداعى ولا ندع هذه الفرصة تقلت منا ونحن عنها غافلون.
ليكن الوفد الذاهب إلى مجلس الأمن وفدا لم تجتمع له الصفات التي تنبغي أن تجتمع لوفد مصر، وليكن رئيس الحكومة الذي سيرأس الوفد رجلا غير الذي كانت ترجوه بعض الأحزاب، وليكن أعضاء الوفد رجالا غير الذين كنا نتوقع أن يكونوا - ليكن كل ذلك، ولكن أليسوا مصريين سودانيين يجاهدون ما استطاعوا في سبيل حق مصر والسودان في الحياة الحرة التي تنبغي أن تكفل لكل حي ولكل أمة؟ أليسوا رجالا منا قد انبروا للمحاماة عنا في مجلس يخشى أن يكون أقرب إلى عداوتنا منه إلى صداقتنا؟ أليس مطلبهم هو مطلب مخالفيهم من سائر الأحزاب فيما يخص مصر والسودان؟ بلى، وما أظن أحدا من مخالفيهم يستطيع أن يقول خلاف هذا أو يدعي نقيضه.
وهذا المجلس الذي هو أقرب إلى العداوة منه إلى الصداقة، لن يفرق بين مصري نختلف عليه أو وصري نتفق عليه. وبريطانيا لن تكون أقل عنفا ولجاجة إذا كان الذي يرتفع بالقضية إلى مجلس الأمن إنسانا اتفق المصريون والسودانيون عليه، لأنها تريد بكل ما تبذله أن تأكل حق هذا الوادي وتحيف على مستقبله، لا تبالي بما يسمى أقلية أو يسمى أكثرية. وإذن فالعقل قاض علينا بأن نلقاها ونلقي مجلس الأمن يدا واحدة وعلى قلب رجل واحد أيا كان هذا الرجل. ونحن نعلم أن هذه دعوة قد كثر الداعون إليها فباءوا بالخيبة مرة بعد مرة، ولكن كان العذر عندئذ قائما، فإن الحكومة لم تكن قد ارتفعت إلى مجلس الأمن بعد، وكان هناك مجال لشهوات الأحزاب أن ينال أحدها فضل التقدم للدفاع عن حقوق مصر السودان أما الآن فقد قضى الأمر، فمصر والسودان تطالب أحزابها بحقها عليها، فإذا أحجم أحدها، أو أحد رجالها، عن الذي تقتضيه عليه حقوق الوطن، فذلك (خائن) خائن بمعنى الصريح التام الشامل الذي تنطوي عليه هذه الكلمة.
وكلمة الخيانة كلمة عظيمة نأنف أن يتصف بمعناها مصري سوداني لأنها تصم صاحبها بأنذل ما يكون في الطبيعة البشر، وهي جريمة لا تغتفر، وجزاؤها جزاء لا يحد. ولا نظن