أحدا أحب أن يعرض نفسه لها راضيا عامدا قط، بل الظن إنه إنما يخطئ وجه الصواب فيقع في أقبح العيب ويخوض في أشنع العار. وقد جاءت الساعة التي توجب على كل مصري سوداني لن يقف ساكنا هادئا مفكرا متورعا خشية أن يقع في هذه الخطيئة أو يلم بهذا الإثم، وأن يحرر نفسه لحظة من شهواتها الجامحة، وينفض عن قلبه غبار أعوام من الأحقاد الحزبية والسخائم الوزارية، ليتطهر لوطنه وبلادة، وليستهدي بهدى الوطن في ساعة المحنة. إنها أعظم خطيئة يفارقها مصري سوداني منذ اليوم، لأنها خذلان لوطنه في ساعة يرى فيها الأعداء يتناهشونه من كل مكان، ويريدونه بالشر من كل ناحية، ويكيدون له أخبث الكيد في كل أرض.
ولن يضير أحد أن يكون له رأي يخالف هؤلاء الرجال الذاهبين إلى مجلس الأمن في شئون لا علاقة لها بمجلس الأمن، فيدع عناد الرأي إلى مناصرة الحق - بل إلى مناصرة وادي النيل في حقه الطبيعي الذي لا يعرف الرجال وأراءهم وسياساتهم، بل يعرف حقه على أبنائه من أي رأي كانوا، وفي أي زمن ولدوا، وعلى أي دين نشأوا. أقول هذا وأنا غير يائس من أن تجتمع كلمة هؤلاء المختلفين إلى هذا الحق البين الذي لا ينازع فيه عاقل.
وأنا أدعو (الكتاب) الذين أنتسب إليهم بهذا القلم، أن يجتمعوا على رأي واحد، ويقومون مرة واحدة لدعوة الشعب إلى الطريق الحق، وأن يبرئوا أقلامهم من الأحقاد الصغيرة التي أنشأتها بينها بريطانيا يوم مزقتنا أحزابا، ليملأوها بالحقد الأعظم على العدو الأعظم الذي لم يدع لنا عرضا إلا هتكه، ولا فضيلة إلا لوثها، ولا كرامة إلا تهجم عليها بالتحقير ولا تشنيع. وإنما أوجه دعوتي إلى الكتاب، لأنهم هم أصحاب الرأي الأول، وهم بناة الأمم، وهم حياة الشعب، وهم القوة التي تؤازر الضعيف حتى يدع الحق لأهله. أن التبعة الملقاة على كواهل الكتاب، فهي أعظم من تبعه الوفد الذاهب إلى مجلس الأمن، لأنه بدونها لا يستطيع أن يواجه هذه الأمم مواجهة الند للند، ومواجهة صاحب الحق لظالمة، ومواجهة المؤمن بقضيته للكافر بهذه القضية. ولو فعل الكتاب ما يوجبه عليهم حق مصر، فلن يستطيع مخالف أيا كان أن يفت في عضد الذاهبين بقضيتنا إلى مجلس الأمن، وليس اليوم لهو ولا لعب ولا شهوات، بل هو يوم الجد والصبر والزهد، وظني بالكتاب إنهم أسرع