للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

١٤٩٢)؛ وكانت قواعد الأندلس قد سقطت قبل ذلك كلها تباعاً في أيدي النصارى؛ فسقطت مالقة في شعبان سنة ٨٩٢ هـ (١٤٨٧م)، ووادي آش والمنكب والمرية في أواخر سنة٨٩٤ هـ (١٤٨٩م)، وبسطة في المحرم سنة ٨٩٥ (ديسمبر سنة ١٤٨٩)، وهي آخر قاعدة أندلسية سقطت قبل غرناطة؛ أما رندة التي يستهل الشاعر قصيدته بالإشارة إليها فقد سقطت في يد النصارى في سنة ١٤٨٥ (٨٩٠ هـ)؛ ويبدو من أقوال الشاعر المؤسية عن رندة أنه ربما شهد سقوطها، وأن هذا الحادث قد ترك في نفسه أثراً عميقاً يتردد بقوة في روعة استهلاله، وهو أبدع مقطوعة في القصيدة:

أحقاً خبا من جو رندة نورها ... وقد كسفت بعد الشموس بدورها

وقد أظلمت أرجاؤها وتزلزلت ... منازلها ذات العلا وقصورها

أحقاً خليلي أن رندة أقفرت ... وأزعج عنها أهلها وعشيرها

وهدت مبانيها وثلت عروشها ... ودارت على قطب التفرق دورها

بل يلوح لنا أن الشاعر ربما كان من أهل رندة وقت سقوطها، وأن إشارته فيما بعد إلى المرية بقوله:

منازل آبائي الكرام ومنشئ ... وأول أوطان غذّانيَ خيرها

لا يذهب إلى أكثر من أن المرية كانت موطن أسرته ومسقط رأسه، وأنه قضى بها حداثته الأولى وربما كان ذلك حوالي سنة ٨٦٠ هـ وأنه وقت سقوط رندة كان رجلاً ناضجاً يقف على مجرى الحوادث العامة وقوفاً تاماً.

ولنرجع إلى الفترة التي وضعت فيها القصيدة، فنقول إنه من المحقق مبدئياً أنها كتبت بعد سقوط غرناطة؛ وليس هناك ما يدل على أنها كتبت لترسل إلى السلطان بايزيد الثاني العثماني كما يظن الأديب المغربي الذي تولى نشرها. ذلك أن رسائل الاستغاثة التي وجهها زعماء الأندلس إلى السلطان بايزيد الثاني، وإلى الأشرف قاتيباي ملك مصر، وجهت منذ بدء الصراع الأخير، أعني منذ حصار مالقة وقبل سقوطها في سنة ٨٩٣ هـ (١٤٨٧م)؛ ولكن الاستغاثة لم تغن شيئاً، وسقطت قواعد الأندلس تباعاً في يد النصارى على النحو الذي فصلنا ولما اشتد النصارى في معاملة المسلمين بعد سقوط غرناطة؛ وأرغموهم على التنصر، وعصفت بهم محاكم التحقيق (محاكم التفتيش)، كتب بعض كبرائهم إلى بايزيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>