الثاني في أواخر عهده يستغيث به، وذلك حوالي سنة ١٥٠٥م، أعني بعد سقوط غرناطة بنحو أربعة عشر عاماً، وقد استطال عهد بايزيد الثاني حتى وفاته في سنة ١٥١٢م؛ وقد نقل إلينا المقري هذه الرسالة في كتابه (أزهار الرياض) ونقل إلينا معها شعراً مؤثر يصف به صاحب الرسالة عسف محاكم التحقيق، ويبدو من أسلوب هذه الرسالة والشعر كيف انحدرت اللغة العربية وآدابها في الأندلس في تلك الفترة بسرعة مدهشة، وكيف استطاعت السياسة الأسبانية في مدى قصير أن تخمد جذوة الشعر والأدب.
أما القصيدة التي نحن بشأنها فيبدو أنها كتبت قبل ذلك بحين، والمرجح أنها كتبت في سنة ٩٠٤ أو ٩٠٥ هـ (سنة ١٥٠٠م). ولنا على ذلك أدلة عديدة، منها قوة القصيدة وروعتها مما يدل على أنها كتبت عقب الفاجعة بأعوام قلائل قبل أن يخف وقعها في النفوس، وقبل أن تحدث السياسة الأسبانية أثرها في قتل اللغة العربية؛ ومنها الترتيب التاريخي الذي اتبعه الشاعر، فهو يورد الحوادث تباعاً بترتيبها التاريخي، إذا استثنينا إشارته إلى غرناطة؛ وبيان ذلك أنه يبدأ بالإشارة إلى سقوط رندة، وقد كانت أول قاعدة سقطت في أيدي النصارى سنة ٨٩٠هـ (١٤٨٥م) كما قدمنا؛ ثم يتبعها بالإشارة إلى سقوط مالقة في قوله.
فمالقة الحسناء ثكلى أسيفة ... قد استفرغت ذبحا وقتلا حجورها
وقد كانت الغريبة الجنن التي ... تقيها فأضحى جنة الحرب سورها
وفي هذا البيت الأخير إشارة فطنة إلى موقع مالقة ومناعتها وكونها كانت حصن الأندلس من الغرب، فلما سقطت سقطت قواعدها في يد العدو تباعاً؛ ويشير الشاعر بعد ذلك إلى سقوط بلش مالقة في قوله.
وبلَّش قطت رجلها بيمينها ... ومن سريان الداء بان قطورها
وضحت على تلك الثنيات جحرها ... فأقفر مغناها وطاشت حجورها
وكان سقوط بلش وهي حصن مالقة من الشمال الشرقي في جمادى الأولى سنة ٨٩٢هـ (إبريل ١٤٨٧م) وعلى أثر سقوطها حاصر النصارى مالقة واستولوا عليها في شعبان من هذه السنة (أغسطس سنة ١٤٨٧).