ولما استولى النصارى على مالقة أخذت ثغور الأندلس وقواعدها الباقية تسقط تباعا في يد النصارى فسقطت المرية والمنكب في أواخر (سنة ٨٩٤هـ - ١٤٨٩م)، وسقطت بسطة في المحرم سنة ٨٩٥هـ (ديسمبر ١٤٨٩م)؛ ثم استولى النصارى على وادي آش قاعدة مولاي عبد الله (الزغل) في صفر من تلك السنة (يناير ١٤٩٠م)؛ ويشير الشاعر إلى هذه الوقائع بعد ذلك في قوله:
وبالله إن جئت المنكب فاعتبر ... فقد خف ناديها وجف نضيرها
وقد رجفت وادي الأشى فبقاعها ... سكارى وما استاكت بخمر ثغورها
وبسطة ذات البسط ما شعرت بما ... دهاها وأنى يستقيم شعورها
وما أنس لا أنس المرية إنها ... قتيلة أوجال أزيل عذارها
ولم يبق بعد سقوط هذه القواعد في يد المسلمين سوى غرناطة، وقد سقطت في يد العدو في صفر سنة ٨٩٧هـ (ديسمبر سنة ١٤٩١م) وإلى ذلك يشير الشاعر خلال ما تقدم:
ألا ولتقف ركب الأسى بمعالم ... قد ارتج باديها وضج حضورها
بدار العلى حيث الصفات كأنها ... من الخلد والمأوى غدت تستطيرها
محل قرار الملك غرناطة التي ... هي الحضرة العليا زهتها زهورها
ترى الأسى أعلامها وهي خشع ... ومنبرها مستعبر وسريرها
ومأمومها ساهي الحجى وإمامها ... وزائرها في مأتم ومزورها
فهذا الترتيب التاريخي خلال قصيدته من عميق تأثره بالحوادث التي يصفها، مما يدلي بحداثة عهده بالمأساة حسن وضع رثاءه المفجع؛ بيد أن هنالك أيضاً في قصيدته ما يكاد يعين هذا العهد في نظرنا وهو قوله:
وجاءت إلى استئصال شأفة ديننا ... جيوش كموج البحر هبت دبورها
علامات أخذ ما لنا قبل بها ... جنايات أخذ قد جناها مثيرها
فلا تمتحي إلا بمحو أصولها ... ولا تنجلي حتى تخط أصورها
معاشر أه الدين هبوا لصعقة ... وصاعقة وارى الجسوم ظهورها
أصابت منار الدين فانهد ركنه ... وزعزع من أكنافه مستطيرها
فهذه الإشارات تنصرف في نظرنا إلى أول محاولة قام بها الأسبان لتنصير المسلمين،