ونقض عهودهم التي قطعوها لهم عند تسليم غرناطة باحترام دينهم وشرائعهم، وتأمين أشخاصهم وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم. وكان ذلك سنة ٩٠٤هـ (١٤٩٩م) حينما قرر مجلس الدولة أن يفرض التنصير على المسلمين، وذلك لأعوام قلائل فقط من سقوط غرناطة. بل يلوح لنا أن الشاعر يشير بقوله:
ألا واستعدوا للجهاد عزائما ... يلوح على ليل الوغى مستنيرها
بأسد على جرد من الخيل سبق ... يدعُّ الأعادي سبقها وزئيرها
بأنفس صدق موقنات بأنها ... إلى الله من تحت السيوف مصيرها
إلى الثورة التي حاولت بعض المناطق الإسلامية أن تقوم بها مقاومة لقرار التنصير؛ ويلاحظ هنا أن الشاعر يقف عند هذه الواقعة في الإشارة إلى الحوادث التاريخية مما يدل على أنها آخر حادث أدركه وقت نظم مرثيته؛ فإذا صح الاستنتاج الذي سقناه على النحو المتقدم، فأنا نستطيع أن نقول إن الشاعر وضع مرثيته كما قدمنا حوالي سنة ٩٠٤ أو ٩٠٥ هـ (نحو سنة ١٥٠٠م).
وهذا ومما يلاحظ أيضاً أن الشاعر قد تأثر في مواطن كثيرة من قصيدته بالقصيدة الطائرة الصيت التي نظمها سلفه ومواطنه أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس، وأنه أستمد منه بعض الوحي والمعنى؛ فقوله مثلاً:
فوا حسرتا كم من مساجد حولت ... وكانت إلى البيت الحرام شطورها
ووا أسفا كم من صومع أوحشت ... وقد كان معتاد الأذان يزورها
فمحرابها يشكو لمنبرها أحوى ... وآياتها تشكو الفراق وسورها
مستمد من قول أبي البقاء في مرثيته:
حيث المساجد قد صارت كنائس ما ... فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي سجادة ... حتى المنابر ترثي وهي عيدان
وقوله:
وكم طفلة حسناء فيها مصونة ... إذا أسفرت يسبي العقول سفورها
تميل كغصن البان مالت به الصبا ... وقد زانها ديباجها وحريرها
فأضحت بأيدي الكافرين رهينة ... وقد هتكت بالرغم منها ستورها