وقد كانت الوقعة التي جرت بين الأفشين وملك الروم قبيل ذلك من ألمع الحوادث في هذه الحرب. وزاد من روعتها ما كان مأثورا عن الأفشين من البلاء في حرب بابك وخضد شوكة الخرمية.
قال الحسين بن الضحاك الباهلي يمدح الأفشين ويذكر هذه المواقع:
أثبت المعصوم عزا لأبي ... حسن أثبت من ركن إضم
كل مجد دون ما أثله ... لبنى كاوس أملاك العجم
إنما (الأفشين) سيف سله ... قدر الله بكف (المعتصم)
لم يدع بالبذ من ساكنه ... غير أمثال كأمثال إرم
ثم أهدى سلماً بابكه ... رهن حجلين نجيا للندم
وقرى (توفيل) طعناً صادقاً ... فض جمعيه جميعاً وهزم
قتل الأكثر منهم، ونجا ... من نجا لحما على ظهر وضم
وبائية أبي تمام في فتح عمورية أشهر من (قفانبك)، ولكنا نحلى جيد الكلام بشذور منها. قال يخاطب المعتصم:
لبيت صوتا زبطريا هرقت له ... كأس السكرى ورضاب الخرد العرب
عداك حر الثغور المستضامة عن ... برد الثغور، وعن سلسالها الحصب
أجبته معلنا بالسيف منصلتا ... ولو أجبت بغير السيف، لم تجب!
حتى تركت عمود الشرك منقعرا ... ولم تعرج على الأوتاد والطنب
لما رأى الحرب رأى العين (توفلس) ... والحرب مشتقة المعنى من الحرب
غدا يصرف بالأموال جريتها ... فعزهُ البحر ذو التيار والعبب
السخط على الأفشين ومحاكمته
أحرز الأفشين هذا المجد كله، وبلغ تلك الذروة الرفيعة من تقدير المعتصم ومحبته؛ مع إعجاب العامة وإجلال الخاصة، وتمكن أسباب الجاه والنعمة، والاتسام بالجد الموفق والنقيبة الميمونة، وأنه سيف الخلافة الذي ذاد عن ركنيها وقصم ظهور أعدائها - بلغ هذا كله ليهبط منه فجأة إلى حضيض الذل والمهانة، ثم يقتل قتلة الخائن المارق، والعدو المنابذ.