رودس، وما تحشده من القوات الجرارة في طرابلس على مقربة من الحدود المصرية: كل أولئك يجب أن يلفت الأنظار، ويثير الريب، ويقضي على أولئك الذين تعنيهم هذه الحالة أكثر من سواهم بالتيقظ والحذر والاستعداد.
ولا ريب أن مصر في مقدمة الدول التي يجب أن تعنى بهذه التطورات؛ بل هنالك ما يدل على أنها ليست بعيدة عنها، وأنها لا تستطيع أن تطمئن إليها؛ وليس ذلك فقط لأن الحوادث قد جمعت بين مصر وبريطانيا العظمى، ووثقت بينهما في جبهة صداقة وتحالف دائمين، ولأن الفاشستية الإيطالية في خصومتها لبريطانيا العظمى لا بد أن تقصد إلى خصومة مصر في نفس الوقت باعتبارها حارسة لشريان من أهم شرايين الإمبراطورية البريطانية: نقول ليس ذلك فقط، بل كذلك لأن الفاشستية الإيطالية ليست بعيدة عن التفكير في مصر لذاتها.
إن الفاشستية الإيطالية تضطرم اليوم بأعظم الأحلام الإمبراطورية، وترتد ببصرها إلى الإمبراطورية الرومانية؛ وليست مصر في نظرها إلا كطرابلس ولاية رومانية سابقة. وما زلنا نذكر إشارة السنيور موسوليني في إحدى خطبه أيام الحرب الحبشية إلى مصر وقوله إنها كانت أهراء الغلال لرومة، والفاشستية ترنو في حلمها الإمبراطوري إلى مصر، ولا سيما بعد استيلائها على الحبشة. وقد دللت على ذلك في مواطن عديدة ومناسبات كثيرة وهي تحاول منذ أعوام أن تقوي نفوذها ودعايتها في مصر بمختلف الوسائل؛ وسواء أكانت الفاشستية ترنو إلى مصر من خلال خصومتها لإنكلترا، أو كانت تقصد إليها بالذات كحلم استعماري رائع يمكن تحقيقه، فان الذي لا ريب فيه هو أن مصر تواجه اليوم مرحلة من أدق مراحل تاريخها.
ولقد توالت من خلال هذا القلق الشامل تصريحات المقامات المسئولة في رومة بأن إيطاليا الفاشستية لا تضمر شراً لمصر ولا يمكن أن تفكر في الاعتداء عليها، وأنها بالعكس تشعر نحوها بأكرم عواطف الصداقة والود؛ وأما الجيوش الجرارة التي تحشد في برقة، وأما الأهبات العسكرية الهائلة التي تتخذ هنالك على مقربة من الحدود المصرية، فليست سوى إجراءات تحفظية تقرر اتخاذها منذ بعيد. هكذا نسمع من رومة بين حين وآخر، وهكذا أكد لنا السنيور موسوليني نفسه في حديث أفضى به منذ أسابيع قلائل، وهكذا يؤكد ممثل