إيطاليا في مصر للحكومة المصرية كلما أبدت دهشتها وتساؤلها من سير الأحوال في برقة.
بل هنالك ما هو أكثر من ذلك، وهو أن الحكومة الإيطالية عرضت أكثر من مرة، وما زالت تعرض بواسطة ممثلها في مصر على الحكومة المصرية أن تعقد معها ميثاق صداقة وعدم اعتداء. ويقال إنها تقدمت إلى الحكومة المصرية بمثل هذا العرض حتى قبل أن تعقد المعاهدة المصرية الإنكليزية.
ومصر تغتبط بلا ريب بمثل هذه التأكيدات الودية من جانب حكومة رومة، وتود لو أنها تستطيع أن تؤمن بها وتطمئن إليها.
ولكن مصر لا تستطيع أن تؤمن ولا أن تطمئن؛ ولها في ذلك أكبر العذر؛ فالتاريخ يعيد نفسه دائماً، وشواهد الماضي قرائن الحاضر؛ ولإيطاليا الحديثة في نقض المواثيق والعهود تاريخ متصل لم تنقطع حلقاته حتى اليوم؛ وهو يدل دلالة واضحة على أنه إذا كانت إيطاليا الحديثة الناشئة قد آثرت مدى نصف قرن أن تجري على سياسة انتهاز الفرص ونقض العهود، فإن إيطاليا الفاشستية التي تجيش بمختلف المطامع والأماني لا يمكن أن تكون أحفظ للعهد وأجدر بالثقة والاطمئنان.
وإليك منطق التأريخ الحاسم: لم تكد إيطاليا الفتية تستكمل وحدتها واستقلالها في أواخر القرن الماضي حتى أخذت تساورها نزعة الاستعمار والتوسع، وتلتمس لتحقيقها جميع الخطط والوسائل؛ وكانت تتردد يومئذ بين فرنسا وألمانيا لترى أي الناحيتين أكفل للغنم؛ وكان وزيرها الشهير كرسبي رجل المطامع والمغامرات، بل يمكن أن يقال إنه هو الذي وضع أسس سياسية التوسع التي تنزل إيطاليا إلى ميدانها اليوم. فلما احتلت فرنسا تونس في سنة ١٨٨٠ اضطرمت إيطاليا سخطاً لأنها كانت تطمع في احتلالها؛ وتحول كرسبي إلى ألمانيا خصيمة فرنسا يخطب ودها، وانتهى الأمر بدخول إيطاليا في المحالفة الثنائية الألمانية النمسوية التي غدت المحالفة الثلاثية من ذلك الحين (سنة ١٨٨٢) ثم تجددت في سنة ١٨٨٧؛ ولبثت قائمة حتى نشوب الحرب الكبرى.
ولكن ما الذي حدث عند نشوب الحرب الكبرى؟ التمست لإيطاليا الوسيلة لنقض عهود تحالفها مع الدول الوسطى والتزام الحيدة أولاً، ولم يمض عام حتى انقلبت إلى الحلفاء. ثم انضمت إليهم وأعلنت الحرب على حليفتيها القديمتين لتشترك مع الحلفاء في تحطيم