للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محلاً للاستشهاد، وإن صحّت القراءة.

وبين ذلك أنّ (يمحّق الله الربا) المشدّد الحاء في قراءة ابن الزبير إنما جاء مشدداً للمزاوجة بين فعلي (يمحِّق) و (يرِّبي) فيصبحان كلاهما مشددين

والتزاوج بين كلمات اللغة في الكلام الفصيح مذهب للبلغاء معروف وطريق مطروق. ومنه الحديث الشريف (إرجعن مأزورات غير مأجورات) فقوله (مأزورات) إنما هُمزَ ليواخي ويُزاوج (مأجورات) فلا يُقال إن الفعل من (مأزورات) هو (أزر) بالهمز وإنه بمعنى (وزر). ثم لا يجوز استعمال أزر في الكلام من دون غرض المزاوجة المذكورة، كما لا يجوز تدوين فعل (أزر) في المعاجم في مادة (أ. ز. ر). ومثله (محَّق) بالتشديد فهو إنما ورد في قراءة ابن الزبير لغرض المزاوجة وليس هو لغة للعرب. ولذا لا يجوز استعماله في جملة لا ازدواج فيها، كما لا يجوز تدوينه في المعاجم. وهذا ما جعل أرباب المعاجم يهملونه

فأستنتج من كلِّ ما مر أنه تجوز تخطئة صاحب القاموس في تدوينه فعل التمحيق وتخطئة شارحه في عدم الإشارة إلى أمر المزاوجة، كما يجوز لي أن أعتذر لنفسي في استعمال فعلي (محَّقتُ ومحَّقوا) بالتشديد، أعتذر بأني إنما ذكرته مزدوجاً بأشباهه من الأفعال المشددة قبله وبعده، (أنا غرَّقتُ وهؤلاء غرّقوا، وشتان بين ما محَّقت ومحَّقوا، أفيكون من العدل أن أحمَّق وما يحمقوا!):

وهناك وجه آخر لصحة فعل التمحيق ربما ذهب بعضهم إليه، وهو أن علماء الصرف ذكروا أنه يأتي بالفعل الثلاثّي من باب التفعيل لإفادة المبالغة تارة والتعدية تارة؛ فلم لا يكون محق إنما شُدد لهذا الغرض، أي غرض المبالغة لا غرض المزاوجة؟ والجواب على ما يذهبون إليه هو أن هذه المسألة، أي مسألة ما يقوله علماء الصرف في قياسية صيغ الأفعال المزيدة على اختلافها، وما تفيده تلك الزيادات من الدلالة على التعدية والمبالغة وغيرها - هذه المسألة ما زالت ولا تزال موضعاً للأخذ والرد بين العلماء وبين أعضاء مجامعنا العلمية خاصة. وكل ما فعل مجمع مصر من التوسعة والترخيص في زيادات الأفعال المزيدة، أنه قرر قياسية تعدية الفعل الثلاثي بالهمزة (مجلة المجمع ج ١ ص ٢٣٠) ولم يبت الرأي في ما وراء ذلك بعد. ولعله يعود إلى الترخيص في قياسية التضعيف لإفادة

<<  <  ج:
ص:  >  >>