للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السلمية، وأن تنظم الاحتجاجات بالقول والفعل، وأن تلقى رسالة المستقبل إلى الشباب بطريقة عملية؛ ويحسن أن يدوي صدى احتجاجك في الخارج، في جميع أنحاء العالم، فقضايا الأمم المغلوبة دائماً بحاجة إلى التعريف، وقد يلقى التعريف أحياناً شيئاً من التأييد أو العطف في ثنية الضمير الدولي. ومن جهة أخرى فان هذه المناسبات يمكن أن تتخذ ذريعة حسنة للقيام ببعض الأعمال والمشاريع الوطنية النافعة، فتكون دائماً رمزاً عملياً لإذكاء الشعور القومي.

ونود بهذه المناسبة أن نشير إلى نقطة أخرى جديرة بالتأمل، ذلك أننا نشهد في مصر احتفال بعض الأمم الغربية بأعيادها القومية؛ ومن هذه الأمم من تسيطر بقوة الغصب والاستعمار مع شعوب عربية وإسلامية شقيقة، وتسومها أمر ضروب الاضطهاد والذلة، ففي مثل هذه المناسبات نجد بكل أسف صحفنا ومجلاتنا تشيد بأعياد هذه الأمم المستعمرة وتشاركها في الاحتفاء والابتهاج. خذ مثلا عيد ١٤ يوليه الفرنسي الذي يزف إلينا دائماً بأنه عيد الحرية والإخاء الإنساني، وتأمل كيف تفيض صحفنا كل عام في الإشادة به وبآثار الحوادث التي ارتبطت به في تحطيم صروح الظلم والاستبداد، وكيف يشترك كثير من شبابنا الأغرار في الحفلات التي تقام لهذه المناسبة، وكيف ينسى هؤلاء وهؤلاء أن هذه الأمة التي تتغنى بنشيد الحرية والإخاء والمساواة، هي نفس الأمة التي تفرض نير الذلة والاستعباد على ملايين المسلمين، وتعصف سياستها الاستعمارية الحديدية بدينهم ولغتهم وكل تراثهم القومي؛ هذا بينما يقضي الواجب الوطني وواجب التضامن الإسلامى أن نقف دائماً من هذه المناسبات موقفا سلبيا، بل أن نذكّر هذه الأمم الاستعمارية بما في دعواها من تناقض، وبأن الأمم المغلوبة لا يمكن أن تؤمن بنداء الحرية، وهي ترى أن أولئك المنادين به هم نفس الجناة على حرياتها واستقلالها.

إن تقدير الذكريات القومية، وتنوع الاحتفاء بها، وحسن الاستفادة منها، من شواهد اليقظة القومية؛ وإن المتغلب المستعمر لا يفوته أبداً أن يلاحظ هذه المواقف في حياة الأمم المغلوبة لأنها في نظره مقياس للشعور القومي؛ وهو أشد ما يخشى هذا الشعور وأحرص ما يكون على محاربته وإخماده، وإن كثيراً من الخطط والوسائل التي يدبرها الغالب لتثبيت نيره أو مصانعة فريسته يتوقف على مبلغ ما يأنسه فيها من قوة الشعور القومي أو ضعفه، ومن

<<  <  ج:
ص:  >  >>