ويزيد في الغم والكرب عرفاني بأني لم أكن رجلاً لئيماً حتى أقاسي من الناس ما قاسيت. وهل رأى الناس في القديم والحديث صديقاً في مثل أدبي وكرمي وسخائي؟ ومن هو الرجل الذي يجرؤ على القول بأنه أعرف مني بالواجب، وأحفظ للعهد، وأحرص على مقابلة الجميل بالجميل؟
وهل كان الذين ينوشونني بألسنتهم وأقلامهم إلا خلقاً بنيت أقدارهم بقلمي ولساني؟
دلوني على صديق واحد أسأت إليه في محضر أو مغيب!
لو كنت رجلاً لئيما لنسفت أعدائي وخصومي في يوم أو يومين ثم استرحت من التفجع على مصاير الناس إلى مهاوي البغي والعقوق؛ ولكني رجل كريم يكره الغدر ويستعيذ بالله من العدوان على الناس، وذلك باب من الضعف الشريف، وأنا به مزهوّ مختال
وما الذي ينكر عليّ أهل زماني حتى يصدوني بغدرهم عن الثقة بأبناء آدم وحواء؟
أنا أعرف ما ينكرون عليّ، فقد ساءهم أن أسجل ما في زماني من صغائر ومعايب وموبقات. ساءهم أن أفضح سرائر الأدعياء، وأن أقهرهم على الاستهانة بالأدب المزيّف لتقبل عقولهم وأذواقهم على الأدب الصحيح
وهل أخطأت حتى ألقي من بغيهم ما لقيت؟
إن أعدائي يقولون في كل وقت إن مصر هادية الشرق، فكيف يلام من يوجه المصريين إلى أصول الصدق والعدل لتصح لهم السيطرة الأدبية على الشرق؟
وهل يعرفون لي ذنباً غير هذا الذنب الجميل؟
إن كان في هذا البلد من يؤمن بأنه ضحّى في سبيل الأدب بأعظم مما ضحيت فليتقدم ليحمل بعض ما أحمل من ثقال الأعباء
ذلك رأيي في نفسي، وهو حق، فليكذبني من يجرؤ على مصاولتي من أهل الأدب والبيان
وما قيمة مصر في الشرق أو في الغرب إذا صح لأهلها أن يقهروا رجلاً مثلي على اليأس من العدل؟
وبأي حق يدعوني الناس إلى التلطف والترفق وأنا لم أر منهم غير الظلم المبين؟
وفي أية شريعة يفرض على الرجل المظلوم في وطنه أن يعلن أنه من السعداء؟
ومن الذي يراجع الظالمين إذا سكت قلم الأديب؟