حدثوني كيف يسكت من يرى أصدقاءه يأكلون لحمه بلا تهيب ولا إشفاق؟
حدثوني كيف يحرم الغضب على رجل يرى تخلّف العقل في بلد يستطيل أهله على الشرق باسم العقل؟
نحن في مصر التي سبقت جميع الشعوب إلى المدنية، فمن حقنا عليها أن نرجو حرية التعبير عما نعاني من معاطب وحتوف
ومن يسمع شكوانا إذا تجاهلت مصر أننا بفضل جبروتها أشقياء؟!
إلى من نتوجه إذا تعامى الوطن الغالي عن مآسينا الدامية؟ آه! ثم آه!!
في وطن الأزهار والرياحين تموت أفئدة وقلوب
وفي الوطن الذي شرع مذاهب العدل بوحي النيل الذي لا يخلف الميعاد تموت أرواح حساسة واعية معدوا عليها بسهام الظلم البغيض
في وطن النيل الذي لا يخلف الميعاد تضيع جميع المواعيد
احذروا، ثم احذروا من أن أراكم بعين الناقد، يا أبناء هذه البلاد
لقد نظرت إليكم بعين المحب فلم أر غير مآثم ومنكرات، فكيف تكونون لو نظرت إليكم بعين الناقد المنصف؟ كيف تكونون وأنتم حرب على الصديق الأمين؟
ويريد الزيات أن أراكم من وراء المنظار الذي كشف له من الطبائع ما لم يكن يعرف، فهل يظن بي السفه والحمق حتى أتعرض للمستور من عيوبكم ومساويكم!
أنتم أجمل الخلق في أعين من يرونكم من بعد؛ ولكنكم (أجمل) الخلق في أعين من يرونكم من قرب، وأنا منكم قريب، فما أعظم شقائي!
إسمعوا، يابني آدم من أهل هذه البلاد
أنتم وثقتم بأدبي، وليس فيكم من يخاف أن أضيع عليه حظاً غنمه بأي سبب من الأسباب، وبفضل هذه الثقة تجترحون ما تجترحون، فخوضوا كيف شئتم في أوشال الأكاذيب والأراجيف، فلن أجازيكم بغير الصفح والغفران
هات المنظار، يا زيات، هات
هات المنظار لأرى به عيوبي، وأنسى التفكير فيما عانيت من أصدقائي، ويرحم الله عهداً كان لي فيه أصدقاء!