حملت المنظار لأرى عيوبي، فماذا رأيت؟
رأيتني أخطأت أعظم الخطأ حين توهمت أن بني آدم هم جميعاً من طراز ذلك الصديق الغادر الذي صعب عليه أن أعيش وكان يحب أن أموت!
وهل هناك جرم أقبح من الجرم الذي اقترفت؟
مضت أعوام وأعوام وأنا أتلقى في كل يوم رسائل من قلوب تقسم بأنها قادرة على الطب لجروح قلبي، فهل استمعت نداء تلك القلوب؟
أنا أتلقى في كل يوم رسائل من فلسطين وسورية ولبنان والحجاز واليمن والعراق وتونس والجزائر ومراكش فهل فكرت في الإجابة عن تلك الرسائل الودية؟
وكيف وأنا أتجاهل ما يصل إليّ من أصوات القلوب في مصر والسودان؟
وكان ذلك لأني يئست من بني آدم بفضل الأصدقاء الذين سقيتهم الشهد فسقوني الصاب!
فما الذي يمنع من الاستجابة لدعاء تلك القلوب؟
ما الذي يمنع وأنا أعيش محروماً من نعيم الصداقة والحب؟
وهل يرفض من يعيش في مسبعة أن يخرج إلى الحواضر المأهولة بأرواح الناس؟
يمنع من ذلك أن أطياف الغادرين تصدمني حيثما توجهت، فالدنيا كلها هي وجوه الذئاب التي شقيت في تربيتها لتقوي على مضغ لحمي وعرق عظامي
الدنيا كلها هي فلان وفلان وفلان الذين خلدت أسماءهم في مقالاتي ومؤلفاتي ليصح لهم البغي عليّ باسم الأدب والدين
هات المنظار، يا زيات، هات
حملت المنظار لأرى عيوبي، وما أكثر عيوبي!
رباه، رباه!!
ما هذا الذي أرى؟
ذلك صديق أهجم عليه هجوماً صوريا لأرفع اسمه بين الأسماء فيراني من الأعداء
وذلك رفيق أدله على الخير فيراني من الآثمين
وذلك صاحب تشغلني الشواغل عن زيارته فيراني من الغادرين
وذلك أخ عزيز لا تهمه غير الظواهر ويغفل قلبه عن الخدمات التي أؤديها إليه في المغيب