للجميع، فنطاقه واسع، وهو للأفراد الآخرين، كما هو بالنسبة إلى صاحبه تماماً. ومعنى هذا أننا لا نعمل أبداً لنفوسنا فحسب، فضلا عن أننا لا يمكن أن نعمل بمفردنا فحسب. ونحن لا نستطيع، بل على الأحرى لا نريد، أن نحتبس حياتنا داخل ذواتنا، ولذلك فإننا نعمل، عملنا لا يتم إلا بمعانة الآخرين، كما أنه لا يتحقق إلا في الخارج، أعني في وسط يضم كثيراً من الأفراد الذين يستطيعون أن يتأثروا بذلك العمل.
والفعل الواحد يقدم للآخرين أفكارنا، فهو أداة للترابط الاجتماعي، وهو روح الحياة الجمعية. وليس في استطاعة الفرد أن يعتزل وينطوي على نفسه، بل هو مضطر إلى الاتصال بالآخرين، وأفعاله تكون الوسط الذي تنشأ فيه وتصدر عنه أفعال أخرى كثيرة. ففي تربة أفعالنا، تنبت نيات أخرى كثيرة، وتزهر أفعال جديدة متنوعة!
ومن الخطأ أن نتصور أن من الممكن أن يخطئ الفرد الواحد دون أن يسيء إلى الآخرين؛ فإن كل فعل من أفعالنا يمتد في دوائر لا نهاية لها، ولا بد أن تستتبعه نتيجة تلحق بالآخرين. بل أن الفعل الواحد كثيراً ما يكون نقطة تحول في التاريخ كله! فعلى الإنسان إذن أن يعمل، وكأنما هو يتحكم في العالم بأجمعه، ويوجهه التوجيه الخاص الذي يريده هو! وقد يتقبل الآخرين أدنى منحة تقدم لهم، أو أقل فكرة تعرضها عليهم، فالفعل الواحد - مهما بدا يسيراً - قد تترتب عليه نتائج لا تخطر لنا على بال.
وليس من الضروري أن يشعر الإنسان بكل النتائج التي يمكن أن تترتب على فعله، أو كل المعاني الكامنة في هذا الفعل، بل قد تترتب على الفعل الواحد نتائج عظيمة، دون أن تكون لدى الإنسان فكرة واضحة عن ذلك. ولهذا فإن من الواجب أن نتخذ الحيطة في كل عمل نعمله، أو كل قول نقوله، لأن أدنى خطأ نقع فيه، قد يؤثر تأثيرا سيئاً في حياة الآخرين. وليس أخطر من مهمة أولئك الذين يتصدون للتربية والتعليم، لأن مسئوليتهم خطيرة في كل ما يقولونه، وما كان يمكن أن يقولوه، وما لم يقولوه حين كان من الواجب أن يقولوه! وكل نقطة غامضة كثيراً ما تكون مثاراً لكثير من التأويلات الفاسدة والآراء الخاطئة، والتطبيقات الكاذبة.
وما دامت الأفكار تنفذ إلى الإنسان من الخارج، فلا بد أن تتعرض لخطر التشويه أو التحريف أو سوء الفهم. أما إذا أدخلت تلك الأفكار في تيار الحياة نفسها، أعني إذا جعلناها