للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تملقا لعواطف السادة وتقربا إلى الحكام، إلى غير ذلك من وسائل المنفعة الذاتية المشروعة وغير المشروعة، ولكنها مع هذا - بحكم العادة - تصبح ذات أثر بليغ في تحديد السلوك والآداب وتقاليد المجتمع، وخصوصاً أن الحكام لم يحاولوا مراجعة هذا المبدأ - مبدأ التشريع على أساس العاطفة الجماعية كما رأينا - بل أخذوه قضية مسلمة، وشرعوا ينظرون في تفاصيل الأمور التي يرضى عنها أو يعاقب عليها المجتمع على هذا الأساس، ويضرب (مل) مثلا لخطر استبداد الأكثرية بدافع الهوى، مسألة العقائد الدينية وتعصب الجماعات فيها.

ومجمل ما يقرره المؤلف في (تمهيد) كتابه بعد ذلك، يتلخص في القضايا التالية.

١ - سلطة القانون في بلاده أقل نفوذاً من سلطان الرأي العام الذي يجعل من الحكومة خصماً له، ومهدداً لحريته، وإن كان القوم بين مؤبد لتدخل الحكومة في حرية الأفراد، ومعارض لهذا التدخل - لم يضعوا له قاعدة مقررة.

٢ - منع الفرد من الإضرار بغيره هو المسوغ الأوحد لتدخل السلطات في حرية مواطن متمدين، وفيما عدا هذا، فللإنسان مطلق التصرف في جسمه وعقله، ومالم يخرج عن دائرة شخصه فلا سلطان للمجتمع عليه. ويستثنى من ذلك من لا يزال قاصراً من الأفراد والجماعات، فإنه يجوز استبداد حكامهم حتى ينضجوا ويصلحوا.

٣ - ومع أن الحرية حق طبيعي يعود على الفرد بالمنفعة الشخصية، فإن للمجتمع أن يجبر الفرد على الدفاع الوطني والشهادة أمام الفضاء وعمل البر وهي أمور واجبة عليه، ويحاسبه إذا امتنع عنها أو قصر فيها، أو أهمل فعلها فترتب على الإهمال نتائج خطيرة عن طريق القانون أو سلطة المجتمع، إذ الأمر هنا يتعلق بالصالح العام المقدم على المنفعة الشخصية، وفيما عدا هذا لا يتعرض المجتمع لحرية الفرد.

٤ - وثمت أحوال يكون فيها الفرد مسئولاً أمام المجتمع؛ ولكن مسئوليته تحيط بها ظروف وملابسات تجعل من الخير تركه وشأنه، فهنا يجب ترك الفرد لضميره يحكم عليه ويؤاخذه.

٥ - أما الأحوال التي لا يجوز للمجتمع أن يتدخل فيها مالم تؤثر في الغير تأثيراً مباشراً فهي حرية الاعتقاد والفكر والميل والشعور، والتعبير عنها، وحرية الأذواق والمشارب، ثم

<<  <  ج:
ص:  >  >>