للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حرية الاجتماع والتعاون.

٦ - يقاس رقي المجتمع بمبلغ تحقيق هذه الحريات، وما لم تكن الدولة في خطر فليس ثمت ما يبرر تدخلها في أخص شئون الأفراد الذاتية، مهما يكن أمر دعاة سيطرة المجتمع أمثال أوجست كونت وغيره.

٤ - حرية الرأي وحرية التصرف:

وبعد تلخيص هذه المقدمة يقبل على الفصلين الثاني والثالث، وهما أهم فصول الكتاب، وأنضج آراء المؤلف، وأكثر الكتابات قيمة لمن يحاول الدفاع عن الحرية الشخصية في الفكر والعمل، أولهما يتناول بالحديث حرية الرأي والاعتقاد، والتعبير عما نفكر بالمناقشة أو الخطابة أو النشر. وثانيهما يعرض لحرية التصرف والفعل والتنفيذ في حيز العمل كما هو في حيز القول، ما دمنا لا نتعارض في هذه أو تلك مع الصالح العام.

وما الذي يسوغ لحكومة أياً كانت أن تقيد تفكيرنا أو تحمنا على ما لا نريد من الرأي، ولو كان ذلك بإرادتنا؟ إن الحقيقة في مسائل الرأي ليست من الجلاء بحيث تكون دائماً مع الحكام، ويكون المجكومون - فرداً أو جماعة - هم المخطئين، وحتى لو جاز ذلك، فتدخل السلطات لمنع الخطأ هو سبيل انتشاره. حقاً إن الناس كثيراً ما يتعصبون من الناحية العملية - وإن أنكروا ذلك جدلاً - لآرائهم التي يهديهم لها محض الصدفة أو مجرد الإجماع - كأنما هم معصومون من الزَّلل، ولكن هذا الخطأ في استعمال العقل لا يدعو إلى تحريم التفكير أصلاً، وكل ما في وسعنا أن نهيب بالأفراد والحكومات أن يبذلوا كل جهد للوقوف على الحقيقة والتيقن منها قبل نشرها وإذاعتها - فحرية المعارضة والمناقشة هي وسيلة الصواب واليقين، وما دامت أخطاؤنا وهفوات لحسن حظ البشرية وصلاح أمرها - قابلة للتقويم والتعديل فينبغي أن نطلق للأفرد أكبر حرية في الفكر والمناقشة حتى يتأدوا إلى الحقيقة التي تصلح من أخطائهم، وتردهم إلى الصواب.

ولإطلاق حرية المناقشة - فوق تحقيق الميزة الجوهرية للعقل الإنساني بتقويمه وتعديله التي قدمنا - ميزة أخرى موضوعية تتعلق بالشيء ذاته موضع المناقشة، فإن ثباته للجدل حوله والمناقشة فيه وسيلة الثقة به والاطمئنان إليه، إذ أنه لو كان ثمت حقيقة نستطيع أن نهتدي إليها، فلن نصل فيها إلى اليقين المطلق، بل لما يشبه اليقين ويظن به الصواب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>