للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبلغ غرفته العليا أطبق سقفها برخامة واحدة شفافة، وكان يستلقي على فراشه في الغرفة فيمر به الطائر فيعرف الغراب من الحدأة وهو تحت الرخام. وكانت حروفه أربعة تماثيل أُسود من نحاس مجوفة، رجلا الأسد في الدار، ورأسه وصدره خارجان من القصر، وما بين فمه إلى مؤخره حركات مدبرة. فإذا هبت الريح دخلت أجوافها، فيسمع زئير كزئير الأسد. وكان يُصبح فيها بالقناديل، فترى من رأس عجيب. وذلك حين تُسرج المصابيح في بُيوت الرخام إلى الصبح؛ فكان القصر يلمع من ظاهره كلمع البرق. فإذا أشرف الإنسان ليلاً قال أرى بصنعاء برقاً شديداً كثيراً، وهو لا يعلم أن ذلك من ضوء السُرج. وكانت غرفة الرأس العليا مجلس الملك أثنى عشر ذراعاً. وكان للغرفة أربعة أبواب قبالة الصبا والدبور والشمال والجنوب؛ وعند كل باب منها تمثال من نحاس إذا هبت الريح زأر؛ وفيها مقيل من الساج والآبنوس وكان فيها ستور لها أجراس إذا ضربت الريح تلك الستور تسمع الأصوات عن بُعد.

وكان غمدان على يبعة سقوف بين كل سقفين أربعون ذراعاً، وهذا لا يمكن؛ لأن أربعين ذراعاً بين كل سقفين كثير، والثبت ما ذكرناه أنه عشرون سقفاً كل سقف على عشر أذرع، فذلك مائتا ذراع، ولن يتعذَّر لقدرتهم على كل معجز من البناء. وأن أبا شرح كان ملك غمدان، وقد بناه على سبعة أسقف كل سقف منها على أربعين ذراعاً. وكانت له أربعة أوجه في ترابيعه: وجهٌ مبني بحجارة بيض، ووجه بحجارة سود، ووجه بحجارة خضر، ووجه بحجارة حُمر. وكان في أعلاه غُرفة لها لجٌّ وهي الكوى. كل موَّة منها بناء رخام في مقيل من الساج والآبنوس، وسقف الغرفة رخامة واحدة صفيحة. وقال آخر: كانت الغرفة تحت بيضة رخام من ثماني قطع مؤلفة؛ وذلك أحرى لأنهم كانوا يثقبون فيها السرُج فترى من رأس عجيب، ولا ترى فيها حُمرة النار مع الرُّخامة المبسوطة، ويؤيد ذلك قول علقمة:

مصابيح السليط يلحن فيه ... إذا يمسي كتوماض البروق

ويقال: إن غمدان أول قصر بني باليمن، ووجد فيه حجر في بعض زواياه فيه مكتوب بالخط المسند: (بناه غمدان). وإنه البناء الذي ذكره الله عز وجل بقوله: (لا يزَالُ بنيانهمُ الذي بنوْا رِيبَةً في قُلوبهمْ). فلما نزلت هذه الآية أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة بن مُسبك ليهدمه، فلما أراد هدمه لم يقدر عليه، حتى أحرقه بالنار، ولم يهدم إلاّ بعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>