ولم يكن الأستاذ في تأثره بالفارابي أقل وضوحاً من شيخه وصديقه السيد جمال الدين، فقد قرأ ابن سينا واشترك بنفسه في إحياء الدراسات الفلسفية القديمة المهجورة. وفي نشره لكتاب (البصائر النصيرية) ما يشهد بذلك. هذا إلى إنه وإن اشترك مع السيد في فكرة التجديد والإصلاح يخالفه في الوسائل الموصلة إلى ذلك. فبينما السيد مجدد طموح يريد الوصول سريعا وعن طريق السياسة، إذا بالأستاذ الأمام يعتقد أن طبيعة الأشياء تأبى الطفرة وأن الإصلاح يستلزم خطوات رزينة، وتدرجا معقولا، ودعائم مثبتة من الأخلاق والدين. لهذا اتجه أولاً وبالذات نحو التعاليم الدينية محاولا أن يصوغها في القالب الذي يتفق وروح العصر، وأن يصعد بها إلى ما كان عليه السلف الأول. فقد كان على يقين مما لحق الإسلام من أفكار فاسدة صورته بصورة معيبة شنيعة، ووضعت حجر عثرة في سبيل النهوض والتقدم. ولم ير بداً من محاربة هذه الأباطيل والترهات والقضاء على البدع والخرافات، والأخذ بيد التفكير الحر الطليق تحت راية الدين الصحيح؛ وأثره في هذه الناحية أوضح من أن ينوه عنه. وفي رأيه أن العلم والدين لا يختلفان مطلقاً، بل يجب أن يتضافرا على غاية واحدة هي تهذيب الإنسانية وترفيهها وإسعادها. فالدين يحول دون الإنسان والزيغ الذي يقود إليه عقل جامح؛ والعلم يوضح الأصول الدينية ويبين إنها لا تتنافى مع المبادئ العقلية. ولن نستطيع الإدلاء هنا بكل أفكار الأستاذ الأمام الدينية، وسنكتفي بأن نلخص رأيه في النبوة كي تتبين وجوه الشبه بينه وبين النظرية الفارابية
يقف الأستاذ الأمام على هذا الموضوع ثلث (رسالة التوحيد) المشهورة أو يزيد، وفيها يتحدث عن الرسالة العامة وحاجة البشر إلى الرسل وإمكان الوحي ووقوعه ووظيفة الرسل ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ويصرح بأن الإنسان مدني بطبعه محتاج إلى المخالطة والمعاشرة، وعلى كل فرد من أفراد الجمعية واجب يؤديه وحق يطالب به. بيد أن الأفراد قد يخلطون الحقوق بالواجبات، ويتهاونون فيما كلفوا به مسرفين كل الإسراف فيما يدعونه لأنفسهم من حقوق؛ فتعم الفوضى وينتشر الفساد، وتصبح الجمعية في حاجة ماسة إلى قيام بعض أفرادها هداة ومرشدين، يبينون للناس النافع والضار، ويميزون لهم الخير من الشر، ويعلمونهم ما شاء الله أن يصلح به معاشهم ومعادهم، وما أراد أن يقفهم عليه من شؤون