ذاته وكمال صفاته؛ وهؤلاء هم الأنبياء والمرسلون صلوات الله عليهم. فبعثتهم من متممات كون الإنسان، ومن أهم حاجاته في بقائه، ومنزلتها من النوع الإنساني منزلة العقل من الشخص؛ منحة أتمها الله لكيلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وليس غريباً أن يختص الله بعض خلقه بالوحي والالهام، فقد سمت نفوسهم وأصبحوا أهلاً للفيض الإلهي والكشف الرباني؛ وبديهي أن درجات العقول متفاوتة يعلو بعضها بعضاً، ولا يدرك الأدنى منها الأعلى إلا على وجه الأجمال. وليس هذا التفاوت نتيجة الاختلاف في التعليم فحسب، بل كثيراً ما كان أثراً من آثار الاختلاف في الفطرة التي لا تخضع لقوانين الكسب والاختبار؛ ولا يزال المرء يرقي في الكمال حتى يبدو البعيد له قريباً، وتتفتح أمامه حجب الغيب. يقول الأستاذ الأمام:(فإذا سلم ولا محيص من التسليم بما أسلفنا من المقدمات فمن ضعف العقل والنكول عن النتيجة اللازمة لمقدماتها عند الوصول إليها ألا يسلم بان من النفوس البشرية ما يكون لها من نقاء الجوهر بأصل الفطرة ما تستعد به من محض الفيض الإلهي لأن تتصل بالأفق الأعلى وتنتهي من الإنسانية إلى الذروة العليا، وتشهد من أمر الله شهود العيان ما لم يصل غيرها إلى تعقله أو تحسسه بعصا الدليل والبرهان، وتتلقى عن العليم الحكيم ما يعلو وضوحاً على ما يتلقاه أحدنا عن أساتذة التعاليم)
لا نظننا في حاجة أن نشير إلى أن كثيراً من هذه المعاني التي يرددها الأستاذ الأمام قال بها السيد جمال الدين. فمهمة النبي في رأيهما أخلاقية واجتماعية، ووظيفته تنحصر في تربية الشعوب والسير بها نحو الطريق القويم. وإذا كان السيد قد اعتبر النبي روح الجمعية الإنسانية فالأستاذ الأمام عده عقلها. ولا نظننا مغالين إذا قلنا إن الأمام يعود بنا إلى عصر الفارابي وبن سينا اللذين كانا يفسران النبوة تفسيراً علمياً سيكولوجياً. وهو يميل دائماً كما قدمنا، إلى أن يرجع التعاليم الإسلامية إلى الحال الزاهرة التي كان عليها السلف الأول؛ وفي كثير من آرائه ما يقربه من هذين الفيلسوفين وما يدفعنا لأن ندرس العلاقة بينه وبينهما في شكل أكمل وعلى صورة أوضح. فهو يقرر مثلهما أن التعاليم والأوامر الدينية يراد بها الشعوب وعامة الناس في حين أن الفلسفة إن صلحت غذاء لطائفة معينة فليس في مقدور الجميع استساغتها. ويقول بالأسباب الطبيعية التي أنكرها أهل السنة ملاحظاً، كما لاحظ فلاسفة الإسلام من قبل، إنها لا تتنافى مع قدرة الله واختياره في شيء. وفي اختصار