الثغر، مشرقة الجبين، تنطق أساريرها بما استولى عليها من الزهو
ظل الخواطب يترددن على منزل الأسرة عامين كاملين، و (عصمت) تكتوي بنار العرض عليهن، إلى أن صهرتها الآلام وحولتها إلى مخلوقة أخرى، إلى قديسة تنشد الصبر، وتطلب من الله العزاء، وكانت تسمع عقب كل زيارة همسا ينبعث من غرفة والديها لم تتبينه بادئ الأمر، إلى أن سمعت أباها ذات مرة يقول للمعان وهي تدخل عليهما الغرفة بغتة: لاشك يا ابنتي في أنك تقبلين الانتظار حتى تتزوج أختك بصدر رحب، أليس كذلك؟
فصمتت (لمعان) خجلا، ولكن هذه الكلمة فعلت في نفس (عصمت) ما فعلت فاعتزمت أمرا. وما زالت ترقب الفرصة لما اعتزمت حتى لاحت لها عقب زيارة بعض الخواطب، وقد طلب الوالد من ابنتيه أن يذهبا إلى مخدعهما، وحينئذ لم يخف على (عصمت) أن أباها يريد أن يخلو إلى أمها ليحادثها فيما جاء من أجله الخاطبات، فاختفت بحيث تنصت لحديث والديها دون أن يرياها
سمعت أباها يقول: لا لا. لا يمكن أن نزوج الصغرى ونترك (عصمت) فريسة للهواجس، فتقول أمها وهي تحاوره:
لقد انتظرنا طويلا، وليس من الحكمة أن نغامر بمستقبل (لمعان) في سبيل أمل دلت الشواهد على أنه لا يتحقق، وإذا لم تتزوج (لمعان) فلا سبيل إلى زواج (عصمت) وتكون العاقبة تضحية الاثنتين؛ وهذه جريمة لن أوافق على اقترافها أبدا. . .
لم يجر أي حديث في شأن (عصمت) في زيارة من تلك الزيارات العديدة، ولم تذكر على لسان أحد بزواج، بينما تلح الخواطب إلحاحا شديدا في طلب (لمعان) فلم هذا العناد جريا وراء سراب خادع ووهم باطل؟
ولو أن سهما أصاب فؤاد (عصمت) لما تألمت كل هذا الألم الذي اعتراها عندما صك سمعها هذا الكلام. أي بلية جديدة وأي نكبة.!؟؟ أتكون عقبة في سبيل إسعاد أختها؟ لقد شربت كأسها وحدها صابرة محتسبة، فهل تكون سببا في شقاء غيرها. .؟؟. لا. إن هذا لن يكون أبدا
هذا ما تحدث به ضمير (عصمت). أما أبوها فأخذ يقول لأمها:
تحاولين عبثا إقناعي بزواج (لمعان) أولا، وإني لأفضل تضحية الاثنتين على أن أرى