وأيقنت أن جرحها عميق بعيد الغور لا يرجى له برء، ولا يعرف له دواء، وكلما تقدمت سنها قوي عندها الشعور، وضوعف الألم. . . . . .
أما (لمعان) ففي شغل عنها بزينتها ولهوها ومرحها
كبرت الأختان، وأشرفتا على سن الزواج، وأصبحت (لمعان) فاتنة المدينة، وغادتها الفريدة، وشرع الأبوان في إعداد ما يلزم لزفاف فتاتيهما، كسبا للوقت واستعدادا للطوارئ، فكانت (لمعان) تجلس الساعات الطوال، تصور لنفسها ذلك المستقبل السعيد الذي ينتظرها، بينا (عصمت) تتخيل في كل أداة تهيأ لها حية تنهش فؤادها، أو سهما يسدد إلى قلبها، فكل شيء يذكرها بذل الخيبة، ومرارة الفشل. . . .
الزواج! نهاية الأمل، ولقد فقدت الرغبة، وهل عاش لها أمل أو بقيت لها رغبة؟
لقد فقدت الأمل، ولقد فقدت الرغبة، ولم يبق لها إلا إحساسها، وكم كانت تجاهد المسكينة نفسها حينما تعرضها أمها إلى جانب (لمعان) على الخواطب. . . .
وهل تنتظر منهن كلمة الإعجاب التي لم تظفر بها في يوم ما من أبويها؟ وهل هن أشفق على إحساسها وأرحم بفؤادها منهما؟. . . . إذن فليذب كبدها، ولتتقطع أوصالها، وهي تساق إلى ذلك الموقف سوقا، ولتتحمل على الرغم منها تلك المخالب التي تنشب في أحشائها وتمزقها تمزيقا، ولتتقبل كارهة ذلك الأعراض الساخر وقتما يأتلق للخواطب نور (لمعان) بجانب دمامتها
هاهي ذي أمامهن تدور بعينيها في الغرفة تلتمس الخلاص كما يلتمسه الطائر السجين فلا تجده، وقد خيل إليها أن الفلك قد وقف عن دورانه في هذه اللحظة الطويلة، حتى إذا أذن لها بالخروج بادرت متهالكة وقذفت بنفسها إلى غرفتها وكأنها فرت من الجحيم فتغلق عليها بابها، وتنزوي في ركن من أركانها جامدة الحركة، كسيرة الجناح، واهنة القوة، لا تستطيع نزع ثيابها ولا النظر في مرآتها، وتظل شاخصة ببصرها إلى نقطة وهمية، وعواطفها تلتهب بين جوانحها حتى يكاد يحترق جسمها النحيل
أما (لمعان) فتذهب متهللة إلى غرفة الخدم، وتسر إلى فتاة لعوب منهن كانت تصطفيها - ما كان من أمر الزائرات معها، وكيف كن يحدقن فيها ويداعبنها، خصوصا تلك السيدة الشابة ذات المخمل الأزرق المكسو بالفراء؛ كانت تقص هذا على صاحبتها وهي مفترة