كأنَّ حديث من يُثْنِى عليه ... حديث القين عن نصل يماني
والمديح هو الباب الذي كان فيه مهيار أكثر استرسالاً من أستاذه بحكم منزلته وبحكم ترفع الشريف الذي يخاطب الخليفة فيقول له إنه لا فرق بينهما:
إلا الخلافة ميزتك فإنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوق
ويقل تبريز مهيار في أبواب الشعر التي يقل فيها تبريز الشريف، فلا ينتشي مهيار بما يصف كما ينتشي أبو تمام في وصف الطبيعة، وكما ينتشي البحتري وابن الرومي. ولكن وصف الشريف أقوى وأعرق في الشعر من وصف مهيار. أنظر إلى قول الشريف في وصف القلم:
وينطق بالأسرار حتى تظنه ... حواها وصفر من ضمير أضالعُه
أو قوله في وصف الذئب:
إذا فات شيءٌ سمعَهُ دل أَنْفُه ... وإن فات عينيه رأى بالمسامع
وهذه القصيدة تذكرني قصيدة البحتري التي مطلعها (سلام عليكم لا وفاء ولا عهد) وفيها وصف للذئب منه قوله:
كلانا بها ذئب يُحدِّث نَفسه ... بصاحبه والجد يُتْعِسُه الجد
وتُذْكِر أيضاً والشيء يذكر بالشيء أبيات الفرزدق في وصف الذئب الذي قراه وأطعمه بعكس ما فعل الشريف والبحتري، وهي التي مطلعها (وأطلس عسال وما كان صاحباً).
أما مهيار فله شعر كثير في الوصف أكثره في وصف الشمع أو السمك أو الطبل أو الإسطرلاب الخ. وهو ليس من الطراز الأول. وله أبيات في وصف السماء وهو موضوع كبير يشمل حسنها في مظاهرها المختلفة، ولكنه لم يوفه حقه. وله قصيدة في وصف آلات زينة صناعية في بركة، ولكنها على شهرتها لا تدل على أن الشاعر قد انتشى بموضوعه، فمهيار إذاً لا يُبْرِزُ في الوصف كما يبرز في الموضوعات الأخرى التي ذكرناها وبَرَّزَ فيها أستاذه
والذي جعلنا نأمل أن يبتكر مهيار وأن يدخل شيئاً من أثر الثقافة الفارسية هو ما رأيناه من ابتكار أبن الرومي وما لعله من أثر نسبه الدخيل، وإن كان ابن الرومي قد غلبت عليه النزعة العربية أكثر مما غلبته النزعة الرومية. ومهيار يفتخر بسؤدد الفرس فيقول: إنه