جمع المجد من أطرافه (سؤدد الفرس ودين العرب) ويفتخر بفصاحتهم فيقول: (وفيهمُ أَلْسُنُ البيان) ويقول:
إنْ تُنْكِرِي قومي فعن ... دك من بقيتهم بيانْ
وقد نظرنا في شعر هذا الفارسي فوجدناه أكثر عروبة من شعر بعض الشعراء العرب من سكان العراق وفارس، وكان هؤلاء يتملحون ويتجملون بألفاظ فارسية في بعض الأحايين. ونحن لم نطلع على شعر لشعراء دولة الفرس قبل الإسلام، ولا نعرف إن كان شعرهم قد بقي، ولكنا أطلعنا على منتخبات لشعراء الفرس بعد الإسلام عندما استقلت فارس بسبب ضعف الدولة العباسية وسقوطها، وبعضهم أيضاً كان يكتب أيام حكم التتر، وهذه المنتخبات لعمر الخيام وحافظ الشيرازي والسعدي والفيروزي والجامي والنظامي وأنوري وفريد الدين العطار وجلال الدين الرومي وابن جمين لا تختلف كثيراً عن شعر شعراء الدولة العباسية من العرب إذا استثنينا ما في بعضها من قصص تاريخ الفرس القديم التي صارت في هذا الشعر أشبه بالأساطير الإغريقية في شعر هومير وغيره؛ وإذا استثنينا أيضاً الأساطير التي حاكها بعض هؤلاء الشعراء في موضوع حياة الطيور والحيوانات الخ على طريقة الخيال الآري. ولم أجد في شعر مهيار أثراً لذلك وإن كان يقرب من الحضارة الفارسية في وصفه بعض مظاهر الترف، لأن الحضارة العباسية العربية كانت شبه فارسية، إذ قد أخذ العرب في العراق وفارس من مذاهب الإحساس والفكر والحضارة الفارسية، حتى أن بعض المؤرخين سمى الدولة العباسية، بالدولة الفارسية العربية. وقد رد العرب هذه المذاهب المستعارة من مذاهب القول والإحساس والفكر إلى شعراء الفرس المسلمين الذين ظهروا عندما استقلت فارس عن الدولة العباسية؛ وهذه هي أسباب أوجه التشابه بين هؤلاء الشعراء وبين شعراء الدولة العباسية العربية. فمهيار لا يقترب في قوله من الثقافة الفارسية والحضارة الفارسية إلا من حيث اقترابه من نزعة شعراء العربية في الدولة العباسية. وهو كما أوضحنا غير مندفع فيها كل الاندفاع ولا منغمر فيها بسبب احتذائه طريقة الشريف في محاكاة النزعة البدوية؛ وهو مع ذلك له شعر في مظاهر من تلك الحضارة لم يطرقها الشريف كوصفه للخمر كما في الأبيات التي يقول فيها:
من فم إبريقها إلى شفة الكأ ... س عمود الصباح ممدود